٣ ـ دروس وعبر كبيرة في قصص صغيرة :
وكما نعرف ، فإنّ استعراض القرآن لهذه القصص يهدف إلى تربية الإنسان ، لأنّ القرآن ليس كتاب قصص وإنّما هو كتاب هدفه بناء الإنسان وتربيته.
من هذه القصّة العجيبة يمكن استخلاص الكثير من المواعظ والعبر :
أ ـ ترك النّبي للعمل بالأولى يعدّ أمرا مهمّا عند الله ، ويؤدّي إلى مجازاة ذلك النبي ، لأنّ مرتبة الأنبياء عالية جدّا ، وأبسط غفلة منهم تعادل ذنبا كبيرا يرتكبه عوام الناس ، ولهذا السبب أطلق الله سبحانه وتعالى تسمية (الآبق) على عبده يونس في هذه الآية ، والتي تعني العبد الهارب.
وقد ورد في بعض الروايات أنّ ركّاب السفينة كانوا يقولون : هناك شخص عاص بيننا!
وعاقبة الأمر أنّ الباري عزوجل ابتلاه بسجن رهيب ، ثمّ أنقذه منه بعد أن تاب وعاد إلى الله ، وكان منهار القوى مريضا.
ذلك ليعرف الجميع أنّ التواني غير مقبول من أي أحد ، فعظمة مرتبة أنبياء وأولياء الله إنّما يحصلون عليها من طاعتهم الخالصة لأوامر الله سبحانه وتعالى ، وإلّا فالله لا تربطه صلة قربى مع أي أحد ، وإنّ الموقف الحازم الذي اتّخذه الله تجاه عبده يونس يوضّح عظمة مرتبة هذا النّبي الكبير.
ب ـ أحداث هذه القصّة (وخاصّة ما ورد في الآية (٨٧) من سورة الأنبياء) كشفت عن سبيل نجاة المؤمنين من الغمّ والحزن والابتلاءات والمشاكل ، وهو نفس السبيل الذي انتهجه يونس ، وهو اعترافه بخطئه أمام الله وتسبيحه الله وتنزيهه والعودة إليه.
ج ـ هذه القصّة توضّح كيف أنّ قوما مذنبين مستحقّين للعذاب يستطيعون في آخر اللحظات تغيير مسيرتهم التأريخية ، بعودتهم إلى أحضان الرحمة الإلهيّة ، وإنقاذ أنفسهم من العذاب ، وهذا مشروط بالصحوة من غفلتهم قبل فوات الأوان ،