وما احتمله البعض من أنّ هذه الجملة إشارة إلى خطاب يخاطب به هذا المؤمن الشهم في يوم القيامة ، وأنّها تحوي جنبة مستقبلية ، فهو خلاف لظاهر الآية.
على كلّ حال فإنّ روح ذلك المؤمن الطاهرة ، عرجت إلى السماء إلى جوار رحمة الله وفي نعيم الجنان ، وهناك لم تكن له سوى امنية واحدة (قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ).
يا ليت قومي يعلمون بأي شيء (بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) (١).
أي : ليست أنّ لهم عين تبصر الحقّ ، لهم عين غير محجوبة بالحجب الدنيوية الكثيفة والثقيلة ، فيروا ما حجب عنهم من النعمة والإكرام والاحترام من قبل الله ، ويعلموا أي لطف شملني به الله في قبال عدوانهم عليّ ..
لو أنّهم يبصرون ويؤمنون ، ولكن يا حسرة!!
في حديث عن الرّسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما يخصّ هذا المؤمن «إنّه نصح لهم في حياته وبعد موته» (٢).
ومن الجدير بالملاحظة أنّه تحدّث أوّلا عن نعمة الغفران الإلهي ، ثمّ عن الإكرام ، إذ يجب أوّلا غسل الروح الإنسانية بماء المغفرة لتنقيتها من الذنوب ، وحينها تأخذ محلّها على بساط القرب والإكرام الإلهي.
والجدير بالتأمّل أنّ الإكرام والاحترام والتجليل ، وإن كان من نصيب الكثير من العباد ، وأصولا فإنّه ـ أي الإكرام ـ يتعاظم مع «التقوى» جنبا إلى جنب ، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٣). ولكن (الإكرام) بشكل مطلق وبدون أدنى قيد أو شرط جاء في القرآن الكريم خاصا لمجموعتين :
__________________
(١) بخصوص موقع (ما) في الجملة احتملت ثلاثة احتمالات : إمّا مصدرية ، أو موصولة ، أو استفهامية ، ولكن يبدو أنّ احتمال كونها استفهامية بعيد ، ويبقى أنّ الأقرب كونها موصولة ، مع أنّ المعنى لا يختلف كثيرا حينما تكون مصدرية.
(٢) تفسير القرطبي ، المجلّد ٨ ، ـ صفحة ٢٠.
(٣) الحجرات ، ١٣.