ولمّا بقر عبد الرحمن بن سهل الأنصاري روايا خمر لمعاوية وبلغه شأنه ، قال : دعوه فإنّه شيخ قد ذهب عقله (١). يستهزئ بإنكاره على تلك الكبيرة الموبقة ، وليت شعري بم هذا الهزء والسخريّة؟ أبالصحابيّ العادل؟ أم بمن استند إليه في حكمه بتحريم الخمر؟ أم بالشريعة التي جاءت به؟ إنّ ابن آكلة الأكباد بمقربة من كلّ ذلك ، أو أنّه لا يدين الله بذلك الحكم البات؟
ولمّا سمع من عمرو بن العاص ما حدّثه عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قوله لعمّار «تقتلك الفئة الباغية». قال لعمرو : إنّك شيخ أخرق ، ولا تزال تحدّث بالحديث ، وأنت ترحض في بولك ، أنحن قتلناه؟ إنّما قتله عليّ وأصحابه ، جاءوا به حتى ألقوه بين رماحنا! وقال : أفسدت عليّ أهل الشام ، أكلّ ما سمعت من رسول الله تقوله (٢)؟!
أهذا هزء؟ أم أنّ معاوية بلغ من السفاهة مبلغاً يحسب معه أنّ أمير المؤمنين هو قاتل عمّار ، إذن فما قوله في سيّد الشهداء حمزة وجعفر الطيّار (٣)؟ أكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قاتلهما يوم ألقاهما بين رماح المشركين وسيوفهم؟ لا تستبعد مكابرة الطاغية بقوله : إنّ رسول الله قتلهما. أو إنّ الرجل وجد حُمراً مستنفرة فألجمها ، وألجم مراشدها بتلكم التمويهات؟ وكلّ هذه معقولة غير مستعصية على استقراء أعمال معاوية وأفعاله.
ثم ما ذا يعني بقوله : أفسدت عليّ ... أيريد كبحاً أمام جري السنّة الشريفة؟ أو يروم إسدال غطاء على مجاليها؟ أو الإعراض عن مدلولها لأنّه لا يلائم خطّته؟ ولا يستبعد شيء من ذلك ممّن طبع الله على قلبه وهو ألدّ الخصام.
__________________
(١) راجع ما مرّ في هذا الجزء : ص ١٨١. (المؤلف)
(٢) أسلفنا تفصيله في الجزء الأوّل : ص ٣٢٩. (المؤلف)
(٣) بهذا أجاب الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ، عن كلام الرجل كما في تاريخ الخميس : ٢ / ٢٧٧. [وانظر فيض القدير في شرح الجامع الصغير : ٦ / ٣٦٥ عند تعليقه على حديث : ويح عمار تقتله الفئة الباغية]. (المؤلف)