أبٍ معلوم عمراً طويلاً يقرب من خمسين عاماً (١) ، فيقال له : زياد بن أبيه. أخا (٢) ملك الوقت ، وابن من يُزعم أنّه من شرفاء بيئته ، وقد تسنّى له الحصول على مكانة رابية ، فأغرق نزعاً في جلب مرضاة معاوية ، المحابي له بتلك المرتبة التي بمثلها حابت هند ابنها المردّد بين خمسة رجال أو ستّة من بغايا الجاهليّة ، لكنّ آكلة الأكباد ألحقت معاوية بأبي سفيان لدلالة السحنة والشبه ، فطفق زياد يَلِغ في دماء الشيعة ، ولمعاوية من ورائه تصدية ومكاء.
وإنّ غلواء الرجل المحابي أعمته عن استقباح نسبة الزنا لأبيه ، يوم استحسن أن يكون له أخ مثل زياد ، شديد في بأسه ، يأتمر أوامره ، وينتهي إلى ما يودّه من بوائق وموبقات ، ولم يكترث لحكم الشريعة بحرمة مثل ذلك الإلحاق ، واستعظامها إيّاه ، ولا يصيخ إلى قول النبيّ الصادق صلىاللهعليهوآلهوسلم ، قال يونس بن أبي عبيد الثقفي لمعاوية : يا معاوية قضى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّ «الولد للفراش وللعاهر الحجر». فعكست ذلك وخالفت سنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فقال : أعد. فأعاد يونس مقاله هذا ، فقال معاوية : يا يونس والله لتنتهينّ أو لأطيرنّ بك طيراً بطيئاً وقوعها (٣).
انظر إلى إيمان الرجل بنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإخباته إلى حديثه بعد استعادته ، وعنايته بقبوله ورعايته حرمته ، والحكَم في هذه الشنيعة كلّ ذي مسكة من علماء الأُمّة وذوي حنكتها ومؤلّفيها وكتّابها.
قال سعيد بن المسيّب : أوّل (٤) قضيّة ردّت من قضاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم علانية ،
__________________
(١) قيل : ولد عام الفتح سنة ثمان ، وقيل : عام الهجرة ، وقيل : قبل الهجرة ، وقيل : يوم بدر. (المؤلف)
(٢) مفعول به ثانٍ لقوله : وجد ، أول الفقرة.
(٣) الإتحاف للشبراوي : ص ٢٢ [ص ٦٧]. (المؤلف)
(٤) ليست بأوّل قارورة كسرت في الإسلام ، وإنّما ردّ من يوم السقيفة وهلمّ جرّا إلى يوم الاستلحاق ، من قضايا رسول الله ، ما يربو على العدّ. (المؤلف)