الفصل الرابع
فى ذكر كيفية فتح المدينة (١)
اعلم أن المدينة لم تفتح بقتال وإنما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعرض نفسه فى كل موسم على الناس ويقول : ألا رجل يحملنى إلى قومه فإن قريشا قد منعونى أن أبلغ كلام ربى ، فلقى فى بعض السنين رهطا من الخزرج ، فدعاهم إلى الله تعالى وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن ، وقد كانوا يسمعون من اليهود أن نبيا مبعوثا قد أظل زمانه ، فقال بعضهم لبعض : يا قوم والله إن هذا النبى الذى تعدكم به اليهود فلا تسبقكم إليه ، فأجابوه ، وكانوا ستة : أسعد بن زرارة ، وعوف ، ورافع ابن مالك ، وقطبة بن عامر بن حديدة ، وعقبة بن عامر بن نابى ، وجابر بن عبد الله ابن رباب ، فلما انصرفوا ذكروا لقومهم ما جرى لهم ، ففشى الإسلام فيهم حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا ولرسول الله صلىاللهعليهوسلم فيها ذكر ، حتى إذا كان العام المقبل أتى فى الموسم اثنى عشر رجلا من الأنصار ، فلقوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالعقبة ـ أى : جمرة العقبة ـ فبايعوه عندها ، فلما انصرفوا بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم معهم مصعب بن عمير إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن ويدعو الناس إلى الإسلام ، فأسلم على يديه خلق كثير. ثم لقيه فى الموسم الآخر سبعون رجلا من الأنصار ومعهم امرأتان فبايعوه ، وأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أصحابه إلى المدينة ، ثم خرج من الغار بعد ذلك فقدمها يوم الاثنين لاثنتى عشرة ليلة مضت من ربيع الأول ، وقيل : لليلتين خلتا منه ، وقيل : لهلال ربيع الأول ، والقول الأول أصح. ولما أرخوا من الهجرة ردوا التاريخ إلى المحرم ؛ لأنه أول السنة (٢).
ولما دخل رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة مكث بقباء ثلاث ليال ، ثم ركب يوم
__________________
(١) انظر : السيرة الشامية ٣ / ٣٧٧ ، وفاء الوفا ٢ / ٢٢٠ ، أخبار المدينة لابن النجار (ص : ٢٠) ، عيون الأثر ١ / ٢٦٢ ، السيرة لابن هشام ١ / ٤٢٨.
(٢) وفاء الوفا ١ / ٢٤٦.