مقدمة المحقق
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله الذى خلق الأرض واختار منها مواضع رفعها ، وأماكن شرّفها ، فسمّاها «بيوته» الكرام ، ومشاعره العظام ، وأمر بطهارتها ، ونبّه على زيارتها ، وأذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ)(١).
وفاوت بين تلك المساجد فى التفضيل ، وبان ذلك لنا مفصلا فى سنة المصطفى ومحكم التنزيل ؛ فجعل منها مسجدا أسس على التقوى ، قبلة عظيمة لمن اهتدى ، ومسجدا فضّله بالنبى المصطفى ، ومسجد زاد قدرا بليلة الإسرا ، فقال عزّ من قائل : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى)(٢).
وحظر رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الخلق أن يفضّلوا شيئا من المساجد عليها ، ونهى أن تشّدّ الرّحال إلا إليها ، فله الحمد على ما أسبغ علينا من نعمه ، ونسأله المزيد من فضله وكرمه.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة مبرأة من النفاق ، ومدخرة ليوم التلاق ، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
وبعد : فهذا كتاب «إيثارة الترغيب والتشويق إلى المساجد الثلاثة وإلى البيت العتيق» للإمام محمد بن إسحاق الخوارزمى ، جمع فيه مؤلفه ما تفرّق من أخبار وفضائل المساجد الثلاثة التى تشدّ إليها الرحال ، أقدمه للمكتبة الإسلامية ، معتمدا على الله تعالى فى العون ، طالبا منه التسهيل والسداد ، فهو الموفّق للصواب ، وعليه الاتكال ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
__________________
(١) سورة النور : آية ٣٦ ، ٣٧.
(٢) سورة الإسراء : آية ١.