فلم أستطع ، فحينا نراه مصليا ، وحينا نراه قارئا ، وحينا نراه مسبحا ، إلى أن رقد ذات يوم ، فوقع فى المركب تهمة ، فجعل الناس يفتش بعضهم بعضا إلى أن بلغوا إلى الفتى النائم ، فقال صاحب الصرّة : لم يكن أحد أقرب إلىّ من هذا الفتى النائم ، فلما سمعت ذلك قمت فأيقظته ، فما كلمنى حتى توضأ للصلاة ، فصلى أربع ركعات ، ثم قال لى : يا فتى ما تشاء؟ فقلت : إن تهمة وقعت فى المركب ، وإن الناس لم يزل يفتش بعضهم بعضا حتى بلغوا إليك. فالتفت إلى صاحب الصرة ، وقال : هو كما يقول؟ قال : نعم. لم يكن أحدا أقرب إلىّ منك ، فرفع الفتى يديه يدعو ، وخفت على أهل المركب من دعائه ، وخيل إلينا أن كل حوت فى البحر قد خرجت. وفى فم كل حوت جوهرة. فقام الفتى إلى جوهرة فى فم الحوت ، فأخذها وألقاها إلى صاحب الصرة ، وقال : فى هذه عوض عما ذهب منك وأنت فى حلّ مما زاد.
وقال ابن خفيف سمعت أبا الحسن المزين بمكة قال : كنت فى بادية تبوك فتقدمت إلى بئر لاستقى منها فزلقت رجلى فوقعت فى جوف البئر ، فرأيت فى البئر زاوية واسعة فأصلحت موضعا وجلست عليه ، وقلت : إن كان خرج منى شىء لا أفسد الماء على الناس ، وسكن قلبى ، فبينما أنا قاعد وإذا بخشخشة ؛ فتأملت ، فإذا بأفعى تنزل علىّ ، فراجعت نفسى فإذا هى ساكنة ، فنزل ودار بى ، ثم لف بى ذنبه فأخرجنى من البئر ، ثم حل عنى فلا أدرى أرض ابتلعته أم سماء رفعته وقمت فمشيت (١).
وعن علىّ بن سالم قال : سمعت سهل بن عبد الله (٢) يقول لأحمد بن سالم وكان قريب المغرب : اترك الحيل والتدبير حتى نصلى العشاء بمكة!
وعن جعفر الخلدى قال : حججت سنة من السنين فصحبنى بعض الصوفية
__________________
(١) الخبر فى المنتظم ١٣ / ٣٨٨ ، صفة الصفوة ٢ / ١٥٠ ، مثير الغرام الساكن (ص : ٤٠٧) ، وليت هذا الرجل كما تورع عن أن يفسد على الناس ماءهم تورع أيضا عن أن يفسد عليهم دينهم بادعائه عدم الخوف من ذلك الثعبان المبين ؛ وقد خاف من قبله كليم الله موسى عليهالسلام!! وكيف لا يخاف وهذا من خصائص النفس البشرية.
(٢) هو : سهل بن عبد الله بن يونس ، أبو محمد التسترى ، الصوفى الزاهد. (انظر ترجمته فى : سير أعلام النبلاء ١٣ / ٣٣٠) ، والخبر فى مثير الغرام الساكن (ص : ٤٠٨).