١ ـ غزارة علمه التي حدت العلماء إلى البخوع له والرضوخ لتعاليمه ، فكان يختلف إلى منتدى تدريسه الجماهير من فطاحل العلم والنظر فيميرهم بسائغ علمه ، ويرويهم بنمير أنظاره العالية ، فتخرّج من تحت منبره نوابغ الوقت من فقيه بارع ، ومتكلّم مناظر ، وأصوليٍّ مدقِّق ، وأديب شاعر ، وخطيب مُبدع ، وكان يدرُّ من ماله الطائل (١) على تلمذته الجرايات والمسانهات (٢) ، ليتفرّغوا بكلِّهم إلى الدراسة من غير تفكير في أزمة المعيشة ، فكان شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي يقتضي منه في الشهر اثني عشر ديناراً ، والشيخ القاضي ابن البرّاج الحلبي يستوفي ثمانية دنانير ، وكمثلهما بقيّة تلامذته ، وكان قد وقف قرية على كاغد الفقهاء ، ويقال : إنّ الناس أصابهم في بعض السنين قحط شديد فاحتال رجل يهودي على تحصيل قوته ، فحضر يوماً مجلس الشريف المرتضى وسأله أن يأذن له في أن يقرأ عليه شيئاً من علم النجوم فأذن له ، وأمر له بجراية تجري عليه كلّ يوم ، فقرأ عليه برهة ثمّ أسلم على يديه (٣). وكان لم يرَ لثروته الطائلة قيمة تجاه مكارمه وكراماته ، وكان يقول :
وما حزّني الإملاقُ والثروةُ التي |
|
يذلُّ بها أهلُ اليَسارِ ضلالُ |
أليس يُبقّي المالَ إلاّ ضنانةٌ |
|
وأفقرَ أقواماً ندى ونوالُ |
إذا لم أنَلْ بالمال حاجةَ مُعسرٍ |
|
حصورٍ عن الشكوى فما ليَ مالُ |
٢ ـ وشرفه الوضّاح النبويّ الذي ألزم خلفاء الوقت تفويض نقابة النقباء الطالبيّين إليه بعد وفاة أخيه الشريف الرضيّ ، وأنت تعلم أهمّية هذا المنصب يومئذٍ ، حيث أخذ فيه السلطة العامّة على العلويّين في أقطار العالم يرجع إلى نقيبهم حلّها
__________________
(١) كان يدخل عليه من أملاكه كلّ سنة أربعة وعشرون ألف دينار ، كما في معجم الأدباء : ١٣ / ١٥٤. (المؤلف)
(٢) المسانهات : ما يُجرى من العطاء كلَّ سنة.
(٣) الدرجات الرفيعة : [ص ٤٦٠] للعلاّمة السيّد علي خان. (المؤلف)