من جميع المحاسن وافر ، ثمّ هو أشعر الطالبيّين من مضى منهم ومن غبَر ، على كثرة شعرائهم المفلقين : كالحِمّاني وابن طباطبا وابن الناصر وغيرهم ، ولو قلت : إنّه أشعر قريش لم أبعد عن الصدق ، وسيشهد بما أجريه من ذكره شاهد عدل من شعره العالي القِدح ، الممتنع عن القَدح ، الذي يجمع إلى السلاسة متانةً ، وإلى السهولة رصانةً ، ويشتمل على معانٍ يقرب جناها ، ويبعد مداها ، وكان أبوه يتولّى نقابة نقباء الطالبيّين ويحكم فيهم أجمعين ، والنظر في المظالم والحجِّ بالناس ، ثمّ ردّت هذه الأعمال كلّها إلى ولده الرضي سنة (٣٨٨) وأبوه حيٌّ.
٣ ـ قال ابن الجوزي في المنتظم (١) (٧ / ٢٧٩) : كان الرضي نقيب الطالبيّين ببغداد ، حفظ القرآن في مدّة يسيرة بعد أن جاوز ثلاثين سنة ، وعرف من الفقه والفرائض طرفاً قويّا ، وكان عالماً فاضلاً وشاعراً مترسِّلاً ، عفيفاً عالي الهمّة متديّناً ، اشترى في بعض الأيّام جزازاً من امرأة بخمسة دراهم ، فوجد جزءاً بخطّ أبي عليّ بن مقلة ، فقال للدلاّل : احضر المرأة ، فأحضرها ، فقال : قد وجدت في الجُزاز جزءاً بخطِّ ابن مقلة ، فإن أردتِ الجزء فخذيه وإن اخترتِ ثمنه فهذه خمسة دراهم. فأخذتها ودعت له وانصرفت ، وكان سخيّا جواداً.
٤ ـ قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (٢) : حفظ الرضي القرآن بعد أن جاوز ثلاثين سنة في مدّة يسيرةٍ ، وعرف من الفقه والفرائض طرفاً قويّا ، وكان عالماً أديباً ، وشاعراً مفلقاً ، فصيح النظم ضخم الألفاظ ، قادراً على القريض ، متصرِّفاً في فنونه ، إن قصد الرقّة في النسيب أتى بالعجب العجاب ، وإن أراد الفخامة وجزالة الألفاظ في المدح وغيره أتى بما لا يشقّ فيه غباره ، وإن قصد في المراثي جاء سابقاً والشعراء منقطع أنفاسها على أثره ، وكان مع هذا مترسِّلاً ذا كتابةٍ ، وكان عفيفاً
__________________
(١) المنتظم : ١٥ / ١١٥ رقم ٣٠٦٥.
(٢) شرح نهج البلاغة : ١ / ٣٣.