قال : ثمّ نسيت المنام ولم أذكره إلى أن أُتيح لي زيارة السبط الشهيد ـ سلام الله عليه ـ فإذا بجماعة في الطريق من أصحابنا يروون شعر ابن الحجّاج فلحقتهم ، فإذا فيهم عليُّ بن زرزور وسلّمت عليه ، وقلت : كنت تنكر رواية شعر ابن الحجّاج وتكرهها ، فما بالك الآن تسمعه وتصغي إلى إنشاده؟ فقال : أُحدّثك بما رأيت فيما يراه النائم ، فقصّ عليَّ بمثل ما رأيته في الطيف حرفيّا وحكيته بما رأيت ، ثمّ اتّفقا على مدح الرجل وإيراد أشعاره ، وبثِّ مآثره ونشر مناقبه.
وأيضاً : إنّ السلطان مسعود بن بابويه (١)) لمّا بنى سور المشهد الشريف ودخل الحضرة الشريفة وقبّل أعتابها وأحسن الأدب ، وقف أبو عبد الله المترجَم بين يديه وأنشد قصيدته الفائيّة التي ذكرناها ، فلمّا وصل منها إلى الهجاء أغلظ له الشريف سيّدنا المرتضى ونهاه أن ينشد ذلك في باب حضرة الإمام عليهالسلام فقطع عليه فانقطع ، فلمّا جنّ عليه الليل رأى ابن الحجّاج الإمام عليّا عليهالسلام في المنام وهو يقول : لا ينكسر خاطرك فقد بعثنا المرتضى علم الهدى يعتذر إليك ، فلا تخرج إليه حتى يأتيك. ثمّ رأى الشريف المرتضى في تلك الليلة النبيّ الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام حوله جلوسٌ ، فوقف بين أيديهم وسلّم عليهم ، فحسّ منهم عدم إقبالهم عليه ، فعظم ذلك عنده وكبر لديه ، فقال : يا مواليّ أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فَبِمَ استحققت هذا منكم؟ فقالوا : بما كسرتَ خاطر شاعرنا أبي عبد الله بن الحجّاج ، فعليك أن تمضي إليه وتدخل عليه وتعتذر إليه وتأخذه وتمضي به إلى مسعود بن بابويه وتعرِّفه عنايتنا به وشفقتنا عليه ، فقام السيّد من ساعته ومضى إلى أبي عبد الله فقرع عليه الباب ، فقال ابن الحجّاج : سيّدي الذي بعثك إليَّ أمرني أن لا أخرج إليك ، وقال : إنّه سيأتيك ، فقال : نعم سمعاً وطاعةً لهم. ودخل عليه واعتذر إليه ، ومضى به إلى السلطان وقصّا القصّة عليه كما رأياه ، فأكرمه وأنعم عليه وخصّه بالرتب الجليلة ، وأمر بإنشاد قصيدته.
__________________
(١) كذا في النسخة وأحسبه : عضد الدولة بن بويه. (المؤلف)