الفصل الثالث :
آراء علماء الشريعة في تعلّم النحو
أـ لقد ذهب فريق من العلماء إلى أن تعلم القدر اللازم من اللغة العربية واجب ، وما زاد على ذلك فمشغلة.
قال «السخاوي» : صرح «العز بن عبد السّلام» في أواخر «القواعد» أن الاشتغال بالنحو الذي نقيم به كلام الله ـ تعالى ـ وكلام رسوله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من مقدمة الواجب ؛ لأن حفظ الشريعة واجب لا يتأتى إلّا بذلك ؛ ولذا قال «الشعبي» : النحو في العلم كالملح في الطعام لا يستغني عنه أحد. ثم قال «العز» : ... لكن لا يجب التوغل فيه ، بل يكفيه تحصيل مقدمة مشيرة لمقاصده ، بحيث يفهمها ، ويميز بها حركات الألفاظ وإعرابها ، لئلا يلتبس فاعل بمفعول ، أو خبر بأمر ، أو نحو ذلك. قال «أبو أحمد بن فارس» في جزء «ذم الغيبة» له :
إن غاية النحو ، وعلم ما يحتاج إليه منه أن يقرأ فلا يلحن ، ويكتب فلا يلحن ، فأما ما عدا ذلك فمشغلة عن العلم ، وعن كل خير. و «الخطيب» قال في «جامعه» :
إنه ينبغي للمحدّث أن يتّقي اللحن في روايته ، ولن يقدر على ذلك إلا بعد دربة النحو ، ومطالعته علم العربية. ثم ساق عن الإمام «أحمد» أنه قال : ليس يتقي من لا يدري ما يتقي (١).
قال «القلقشندي» : ثم المرجع في معرفة النحو إلى التلقي من أفواه العلماء الماهرين فيه ، والنظر في الكتب المعتمدة في ذلك من كتب المتقدّمين والمتأخرين (٢).
وعلى هذا المهيع (٣) جرى العلماء في تعلم النحو.
ب ـ وذهب فريق آخر من الناس إلى طعن متعلمي العربية جهلا منهم.
__________________
(١) «فتح المغيث» ٢٢٨ ـ ٢٢٩.
(٢) «صبح الأعشى» ١ : ١٧١.
(٣) «المهيع» من الطرق : البيّن ، والجمع «مهايع».