الفصل الثاني :
الاحتجاج بالحديث والاستشهاد به
لقد كان من المنهج الحق بالبداهة أن يتقدم الحديث النبوي سائر كلام العرب ، من نثر وشعر ، في باب الاحتجاج في اللغة والنحو ، إذ لا تعهد العربية في تاريخها بعد «القرآن الكريم» بيانا أبلغ من الكلام النبوي ، ولا أروع تأثيرا ، ولا أفعل في النفس ، ولا أصح لفظا ، ولا أقوم معنى منه ، ولكن ذلك لم يقع كما ينبغي ، لانصراف اللغويين والنحويين المتقدمين إلى ثقافة ما يزوّدهم به رواة الأشعار خاصة ، انصرافا استغرق جهودهم ، فلم يبق فيهم لرواية الحديث ودراسته بقية.
والدقة في البحث العلمي تملي علينا حين نريد الخوض في ظاهرة الاحتجاج بالحديث النبوي أن نجعل رأي اللغويين على حدة ، ونتكلم عليه على انفراد ، كما نتكلم عن رأي النحويين ـ قديمهم وحديثهم ـ في هذه الظاهرة على انفراد أيضا ، لأن اللغويين لا يوجد فيهم من منع الاستشهاد بالحديث في اللغة (١).
الاستشهاد بالحديث عند اللغويين :
قال الشيخ «أحمد الإسكندري» : «مضت ثمانية قرون والعلماء من أول أبي الأسود الدؤلي إلى ابن مالك لا يحتجون بلفظ الحديث في اللغة إلا الأحاديث المتواترة ، وقد اختلف في عددها ، فقيل : ثلاثة ، وقيل : خمسة ، إلى ستة عشر ...» (٢).
__________________
(١) نبهت على هذا لأنني رأيت الكثير ممن كتب في هذه الظاهرة لا يميّز بين اللغويين والنحويين ، فيستدل برأي اللغويين على النحويين ، وبالعكس ، علما أن بينهما اتفاقا من وجه ، وافتراقا من وجوه ، فلا يصح الجمع.
(٢) «محاضر الجلسات» ١ : ٢٩٨ ـ ٣٠١.