تمهيد
فصاحة النبي صلىاللهعليهوسلم وبلاغة قوله
منح الله ـ سبحانه وتعالى ـ نبيّنا ـ صلىاللهعليهوسلم ـ من كمالات الدنيا والآخرة ما لم يمنحه غيره ممن قبله أو بعده ، فمن ذلك كلامه المعتاد ، وفصاحته المعلومة.
وكلام النبوّة دون كلام الخالق ، وفوق كلام فصحاء المخلوقين ، فيه جوامع الكلام ، ومعجزات البلاغة والفصاحة.
وهو كثير مستفيض ، وحصر البليغ من كلام النبوّة ممتنع معجز ، لأنّه كلّه بليغ فصيح (١).
والنبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أفصح العرب قولا ، وأبينهم كلاما ، وأعلاهم بلاغة.
وقد وصف «الجاحظ» ـ ٢٥٥ ه كلام النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : «... هو الكلام الذي قلّ عدد حروفه ، وكثر عدد معانيه ، وجلّ عن الصنعة ، ونزّه عن التكلف ، وكان كما قال الله ـ تبارك وتعالى ـ قل يا محمد : (وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)(٢) ، فكيف وقد عاب التشديق ، وجانب أهل التقعيب (٣) ، واستعمل المبسوط في موضع البسط ، والمقصور في موضع القصر ، وهجر الغريب الوحشيّ ، ورغب عن الهجين السّوقيّ ، فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة ، ولم يتكلّم إلّا بكلام قد حفّ بالعصمة ، وشيّد بالتأييد ، ويسّر بالتوفيق.
وهو الكلام الذي ألقى الله عليه المحبة ، وغشّاه بالقبول ، وجمع له بين المهابة والحلاوة ، وبين حسن الإفهام ، وقلّة عدد الكلام.
__________________
(١) «لباب الآداب» ٣٣٠ ـ ٣٣٤.
(٢) سورة «ص» : ٨٦.
(٣) التقعيب كالتقعير ، وهو أن يتكلم بأقصى قعر فمه.