بعضها إلى بعض لا يريد فى نضده ذلك أن تجىء له منه هيئة أو صورة ، بل ليس إلا أن تكون مجموعة فى رأى العين ، وذلك إذا كان المعنى لا يحتاج أن يصنع فيه شىء غير عطف لفظ على مثله. ولا بد أن يتغير المعنى إذا تغير النظم وفى ذلك مجال رحب يجول فيه المنشئون (١)
لقد وضّح عبد القاهر أصول «علم المعانى» فى كتابه «دلائل الإعجاز» «وسمّاه «النّظم» أو «معانى النحو». وليست معانى النحو إلّا علم المعانى الذى عرّفه السكاكى بقوله : «هو تتبع خواص تراكيب الكلام فى الإفادة وما يتصل بها من الاستحسان وغيره ، ليحترز بالوقوف عليها عن الخطأ فى تطبيق الكلام على ما يقتضى الحال ذكره» (٢).
جمود النظرية :
كان السكاكى (ـ ه) أول من أطلق مصطلح «علم المعانى» على الموضوعات التى سماها عبد القاهر النظم أو معانى النحو. ومع أنّه لم يطلق ذلك على بعض مباحث البلاغة أحد غيره إلّا أنّ الباحث ليحار حينما يجد مصطلحى «المعانى» و «البيان» قبله. فالزمخشرى (ـ ه) يشير إليهما فى الكشاف ويقول وهو يتحدث عن التفسير : «ولا يغوص على شىء من تلك الحقائق إلّا رجل قد برع فى علمين مختصين بالقرآن وهما : علم المعانى وعلم البيان» (٣). وكلامه غير واضح ، لأنّه كثيرا ما يردّد هذين المصطلحين وكثيرا ما يطلق مصطلح «البيان» على البلاغة كلها ، يضاف إلى ذلك أنّه لم يضع حدّا بين موضوعات المعانى والبيان. وعلة ذلك أنّه لم يكن يبحث فى البلاغة حينما ألّف «الكشاف» وإنّما كان يفسر القرآن الكريم ويوضّح ما فيه من معان رفيعة ومن روعة وجمال وتأثير فى النفوس. وكان يستخدم
__________________
(١) للتفصيل فى نظرية النظم يراجع الفصل الثانى من كتابنا «عبد القاهر الجرجانى ـ بلاغته ونقده» ص ـ.
(٢) مفتاح العلوم ، ص ٧٧.
(٣) الكشاف ، ج ١ ص (ك).