مصطلحات البلاغة وفنونها للوصول إلى هذه الغاية ، ولذلك توزعت فى الكتاب ولم يجمعها جامع أو يحدّها منهج واضح. ونراه أحيانا يسمى البلاغة «بديعا» ففى تفسير قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ)(١) يقول : «هذا من الصّنعة البديعية التى تبلغ بالمجاز الذروة العليا ، وهى أن تساق كلمة مساق مجاز» (٢). ويخالف أحيانا ما تعارف عليه البلاغيون فيجعل الالتفات من البيان ويقول فى العدول عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب : «قلت : هذا يسمى الالتفات فى علم البيان» (٣).
وذكر الدكتور شوقى ضيف أنّ الزمخشرى أول من ميّزبين المصطلحين وقسّم البلاغة إلى معان وبيان ، وأنّ السكاكى تأثر به فى هذا التقسيم (٤) ، ولكن ما ذكرناه وما يضمه تفسير الكشاف لا يؤيد هذا القول ، وإن كانت عبارة الزمخشرى توحى بذلك قبل البحث والتدقيق.
وذكر فخر الدين الرازى (ـ ه) مصطلحى «علم المعانى» و «علم البيان» ولكنه لم يعرّفهما أو يوضحهما ولم يحدد موضوعاتهما. يقول وهو يتحدث عن الخبر : «ولكن الخبر هو الذى يتصور بالصور الكثيرة ، وتظهر فيه الدقائق العجيبة والأسرار الغريبة من علم المعانى والبيان» (٥). وعبارة «من علم المعانى والبيان» غامضة لا يفهم منها إلّا معنى عام هو البلاغة أمّا معانيهما التى حصرها السكاكى فلم يشر إليها ، وهو فى ذلك يتابع الزمخشرى الذى ذكر المصطلحين من غير أن يعرفهما أو يفصل بينهما.
ويكرر السكاكى بعض العبارات مثل «صناعة علم المعانى» و «علماء علم المعانى» و «أذهان الراضة من علماء المعانى» و «أئمة علم المعانى» (٦) ،
__________________
(١) البقرة ١٦.
(٢) الكشاف ج ١ ص ٥٣.
(٣) الكشاف ج ١ ص ١١.
(٤) البلاغة تطور وتأريخ ص ٢٢١ ، ٢٧٠ ، ٢٨٨.
(٥) نهاية الإيجاز ص ٣٦.
(٦) مفتاح العلوم ص ٨١ ، ٩٥ ، ١١٩ ، ١٢١.