ولو لا تقسيم السكاكى البلاغة إلى أقسامها وحصر كل قسم بتعريف منطقى جامع مانع لما احتاج ابن يعقوب المغربى وغيره إلى هذا التمحل والإغراق فى التأويل ، وإلّا فهل يمكن استعمال أسلوب الالتفات من غير أن يؤدى معنى فيكون مطابقا لمقتضى الحال وتكون فيه ظرافة وطلاوة؟ إنّ الانتقال من أسلوب إلى آخر لا يكون إلا إذا اقتضى الحال وأريد به نوع من الإبداع والمتعة الفنية. ولذلك ينطبق عليه تعريفا علم المعانى وعلم البديع ولا نرى مبررا التفريق فى عدّه من المعانى مرة ومن البديع تارة أخرى على الوجه الذى يذهب إليه البلاغيون.
ولما كان الالتفات ضربا من فنون البلاغة له أسلوبه وجماله فليس من الدقة أن يبقى مترددا فيكون فى علم المعانى إذا اقتضى المقام فائدته ، ويكون فى علم البديع إذا أريد به الطرافة ، وإنما يفرد له باب كما فعل ابن الأثير الذى لم ينظر إليه هذه النظرة الجامدة ، (١) وقد أدخلناه فى علم المعانى لأننا نبحث البلاغة كما تركها القدماء ، ولأننا لا نريد هنا إبداء وجهة النظر ، فذلك أمر مجاله غير هذه المحاضرات التى أخذت نسيجها من القدماء. ولم يخرج الخطيب القزوينى على السكاكى فى بحث الالتفات ونقل كلامه وأمثلته غير أنه قارن بينه وبين الجمهور ، فالسكاكى قال : «واعلم أن هذا النوع اعنى نقل الكلام عن الحكاية إلى الغيبة لا يختص المسند إليه ولا هذا القدر بل الحكاية والخطاب والغيبة ثلاثتها ينقل كل واحد منها إلى الآخر ويسمى هذا النقل التفاتا» (٢). والمشهور عند الجمهور أن الالتفات هو التعبير عن معنى بطريق من الطرق الثلاثة بعد التعبير عنه بطريق آخر منها. وهذا أخص من تفسير السكاكى لأنه أراد بالنقل أن يعبر بطريق من هذه الطرق عما عبر عنه بغيره ، أو كان مقتضى الظاهر أن يعبر عنه بغيره منها. ولذلك فكل التفات عندهم التفات عنده وليس العكس صحيحا (٣).
__________________
(١) ينظر البلاغة عند السكاكى ص ١٣٦ ـ ١٣٨ وص ٢٣٥ وما بعدها.
(٢) مفتاح العلوم ص ٩٥.
(٣) ينظر الايضاح ص ٧١.