محل الضمير ، إلا ذلك الضمير ، فنقول : إنه وإن لم يتقدم لفظا ولا معنى (١) ، إلا أنه في حكم المتقدم نظرا إلى وضع ضمير الغائب. وإنما يقتضي ضمير الغائب تقدم المفسّر عليه لأنه وضعه الواضع معرفة لا بنفسه بل بسبب ما يعود عليه ، فإن ذكرته ولم يتقدمه مفسّره بقي مبهما منكّرا لا يعرف المراد به حتى يأتي مفسّره بعده ، وتنكيره خلاف وضعه ؛
فإن قلت : فأيش (٢) الحامل لهم على مخالفة مقتضى وضعه بتأخير مفسّره عنه ؛
قلت : قصد التفخيم والتعظيم في ذكر ذلك المفسّر ، بأن يذكروا أوّلا شيئا مبهما ، حتى تتشوّق نفس السامع إلى العثور على المراد به ، ثم يفسّروه فيكون أوقع في النفس ، وأيضا ، يكون ذلك المفسّر مذكورا مرتين ، بالإجمال أوّلا ، والتفصيل ثانيا ، فيكون آكد ؛
فإن قلت : فهذا الضمير الذي هذا حاله ، أيبقى على وضعه معرّفا أم يصير نكرة ، لعدم شرط التعريف ، أعني تقدم المفسّر؟ ؛
قلت : الذي أرى أنه نكرة ، كما يجيء في باب المعرفه ، وعند النحاة : يبقى معرّفا ، لكن تعريفه أنقص مما كان في الأوّل (٣) ، لأن التفسير يحصل بعد ذكره مبهما ، فقبل الوصول إلى التفسير ، فيه الإبهام الذي في النكرات ، ولهذا جاز دخول «ربّ» عليه ، مع اختصاصها بالنكرات ؛
وإنما حكموا ببقائه على وضعه من التعريف ، لأنه حصل جبران (٤) ما فاته بذكر المفسّر بعده بلا فصل ، فهو كالمضاف الذي يكتسي التعريف من المضاف إليه ، أمّا الجبران في ربّه رجلا ، ونعم رجلا ، وبئس رجلا ؛ و: (ساءَ مَثَلاً)(٥) فظاهر ؛ لأن الاسم المميّز المنصوب لم يؤت به إلا لغرض التمييز والتفسير ، فنصبه على التمييز مع عدم انفصاله
__________________
(١) يعني بالتفسير المتقدم للتقدم اللفظي والمعنوي.
(٢) المعنى : أي شيء وتقدم التنبيه عليها في أول الباب ،
(٣) أي حالة تقدم المفسّر ،
(٤) مصدر قليل الاستعمال بمعنى التعويض عما فات ويستعمله الرضي كثيرا ،
(٥) جزء من الآية ١٧٧ في سورة الأعراف ؛