الأخفش لا يمنع ، من صور العطف على عاملين ، إلّا ما كان فيه الفصل بين العاطف والمجرور ، لا غير ، كما ذكرنا ؛
وسيبويه يمنعه مطلقا ؛ والفراء ، كما نسب إليه ابن مالك ، يوافق سيبويه ويخالف الأخفش ، وهما ، أي سيبويه والفراء ، يضمران الجارّ في كل صورة توهم العطف على عاملين وفيها مجرور نحو قولهم : ما كل سوداء تمرة ، ولا بيضاء شحمة ، أي : ولا كل بيضاء ، وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ)(١) ، أي : وللذين ، واعتذر ابن السّراج لهما في قوله تعالى : (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) ، إلى قوله «آياتٌ و آياتُ» (٢) ، على القراءتين (٣) ، بأن «آيات» أعيدت توكيدا للأولى لما طال الكلام وليس بمعطوف ؛ فمذهب المتقدمين : الجواز مطلقا ، كما هو مذهب الأخفش ، أو المنع مطلقا إلا بإضمار الجارّ ، كما هو مذهب سيبويه والفراء ؛
وأمّا المتأخرون ، فإن الأعلم الشنتمري (٤) ، منع نحو : زيد في الدار والحجرة عمرو ، مع تقديم المجرور إلى جانب العاطف ، قال : لأنه ليس يستوي آخر الكلام وأوله ، قال : فإذا قدّمت في المعطوف عليه الخبر على المخبر عنه نحو : في الدار زيد والحجرة عمرو ، جاز لاستواء آخر الكلام وأوّله في تقديم الخبر على المخبر عنهما ؛
قلت (٥) : يلزمه تجويز مثل قولنا : زيد خرج غلامه ، وعمرو أخوه ، و: إن زيدا خرج غلامه وبكرا أخوه ، لاستواء أول الكلام وآخره وهو لا يجيزه ؛
والمصنف جوّز بالقيد الذي ذكره الأعلم ، أيضا ، وهو أن يتقدم المجرور في المعطوف
__________________
(١) الآية ٢٧ سورة يونس ،
(٢) الآية ٥ سورة الجاثية ؛
(٣) النصب قراءة حمزة من القراء السبعة ، وباقيهم على قراءة الرفع ، وفي الآية قراءات أخرى ،
(٤) الأعلم الشنتمري : أبو الحجاج يوسف بن سليمان من مدينة شنتمرية بالأندلس ، لقب بالأعلم لانشقاق شفته العليا ، وهو نحوي أديب ، شرح شواهد كتاب سيبويه ؛
(٥) اعتراض من الرضي على الأعلم ،