فعلى هذا نقول : يجب في الاختيار ، تكرير «لا» المهملة الداخلة على غير لفظ الفعل ، إلا في موضعين ، أحدهما أن تكون داخلة على الفعل تقديرا ، وذلك إذا دخلت على منصوب بفعل مقدر ، نحو : لا مرحبا ، أي : لا لقيت مرحبا ، أو لا رحب موضعك ؛ ولا أهلا ، أي : لا أتيت أهلا ؛ ولا سهلا ، أي : لا وطئت سهلا ؛ ولا نعمة ، أي : لا نعمت عينك نعمة ؛ وكذا ، لا مسرّة ، ولا كرامة ؛
أو إذا دخلت على اسمية بمعنى الدعاء ، نحو لا سلام عليك ، ولا بك السوء ، لأن الدعاء بالفعل أولى وأكثر ، لأنه في الأصل أمر أو نهى ، فكأنه قيل ، لا سلمت سلاما ، كما ذكرناه في أول المبتدأ ؛ ولا أصابك السوء (١) ؛ أو إذا دخلت على «نولك» نحو : لا نولك أن تفعل كذا ، أي لا ينبغي كما مرّ ؛
وإنما لم تكرر «لا» في هذه المواضع ، لأنها إذا دخلت على الفعل ، لم يجب تكريرها ، إلا إذا كان الفعل ماضيا غير دعاء ، نحو قوله تعالى : (فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّىٰ) (٢) ،
وثانيهما (٣) : أن تكون «لا» بمعنى «غير» مع أحد ثلاثة شروط : أحدها أن تدخل على لفظ «شيء» ، سواء انجرّ بالاضافة ، نحو : هو ابن لا شيء ؛ أو بحرف الجر ، أيّ حرف حرف كان ، نحو : كنت بلا شيء ، وغضبت من لا شيء ، وما أنت إلا كلا شيء ، وخلقت من لا شيء ؛ أو انتصب نحو : انك ولا شيئا سواء ؛ أو ارتفع ، نحو أنت لا شيء ؛ وثانيها أن ينجرّ ما بعد «لا» بباء الجرّ قبلها ، نحو : كنت بلا مال ، ولا ينجرّ ، إذا لم يكن لفظ شيء ، إلّا بها من بين حروف الجر ؛ ولم يثبت انجراره بالاضافة ؛
وأمّا قول جرير :
٢٤٩ ـ ما بال جهلك بعد الحلم والدين |
|
وقد علاك مشيب حين لا حين (٤) |
__________________
(١) هو تفسير للمثال الذي ذكره ، بمعناه ، وإلا فالمناسب أن يكون تقديره مثلا : لا لحق بك السوء ،
(٢) الآية ٣١ سورة القيامة ،
(٣) أي ثاني الموضعين اللذين لا يجب فيها تكرار «لا» ؛
(٤) هذا مطلع قصيدة لجرير ، وهي في هجاء الفرزدق ، وبعد المطلع : ـ ـ
للغانيات وصال لست قاطعه |
|
على مواعيد من خلف وتلوين |
وقد كتب البغدادي على الشاهد الذي بعده قبل أن يكتب عليه ، وذلك راجع إلى ما أشرنا إليه كثيرا من اختلاف نسخ هذا الشرح ، فكأن الرضي ذكر في بعض النسخ ، الشاهد الآتي ، قبل أن يذكر هذا الشاهد ؛ وإن كان سياق الكلام يرجح هذا الترتيب للشاهدين المذكورين ؛