فلما كان تعقب مضمون ما بعد «الا» لمضمون ما قبلها هو المراد ، وكان معنى حرف النفي مع «إلا» يفيد معنى الشرط والجزاء ، أعني لزوم الثاني للأول ، جاز أن يعتبر معنى الشرط والجزاء مع حرف النفي وإلا ، فيصاغ ما قبل إلا ، وما بعدها صوغ الشرط والجزاء ، وذلك إمّا بكونهما ماضيين ، نحو : ما زرتني إلا أكرمتك ، أو مضارعين نحو : ما أزوره إلا يزورني ، ومثل هذا هو الغالب في الشرط والجزاء ، أعني كونهما ماضيين أو مضارعين ، فجاز كون الماضي الذي بعد «إلا» ههنا مجردا عن «قد» والواو ، مع أنه حال ، كما ذكرنا في باب الحال ؛ (١) وذلك لكونه متضمنا معنى الجزاء ، فيكون ما بعد «إلا» ، على هذا المعنى إمّا ماضيا مجرّدا (٢) ، أو مضارعا مجرّدا ، كما رأيت ، وجاز ، أيضا ، أن ينظر إلى كون مثل هذا الفعل حالا في الحقيقة وإن كان فيه معنى الجزاء ، فيؤتى به ماضيا أو مضارعا مع الواو ، نحو : ما زرته إلا وأكرمني ، ولا أزوره إلا ويكرمني ، وإنما اطرد الواو مع هذا النظر لكون هذا الحال غير مقترن مضمونه بمضمون عامله كما هو الغالب في الحال ، نحو : جاءني زيد راكبا ؛ ولفظه ، أيضا ، منفصل عن العامل بالّا ، فجاز أن يستظهر (٣) مطردا ، في ربط مثل هذه الحال بعاملها لفظا ، بحرف الربط أي الواو ، فمن ثمّ ، اطرد نحو : ما أزوره إلا ويكرمني ، وندر : قمت وأصك عينه ، كما مرّ في باب الحال ؛
ويجيئ في الماضي مع الواو «قد» أيضا ، نحو : ما زرته إلا وقد زارني ، ولا يجوز الاقتصار على «قد» ، فلا يقال : ما زرته إلا قد زارني لأنك إن نظرت إلى معنى الجزاء الذي يستفاد من مثل هذه الحال ، فالجزاء لا يتجرد عن الفاء إذا كان مع «قد» ، كما يجيئ في بابه ، وإن نظرت إلى الحال الذي هو أصله فليس فيه حرف الربط المذكور ،
وإنما قلنا إن الأغلب في الحال مقارنة مضمونه لمضمون عامله ، لأنه قد يجيئ بخلاف
__________________
(١) في أول هذا الجزء.
(٢) أي مجردا من قد والواو ، ومضارعا مجردا أي من الواو ،
(٣) أي جاز أن يستعان في الربط مع هذه المبررات بالواو ، التي هي حرف الربط في باب الحال إلى جانب الضمير ؛