قالا : نا أبو بكر بن دريد ، قال : قام الحسن بعد موت أبيه أمير المؤمنين فقال : بعد حمد الله جلّ وعزّ (١) :
إنا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم ، وإنما كنا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر ، فشيبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتم في مبتدئكم (٢) إلى صفين ، ودينكم أمام دنياكم ، فأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم ، ألا وانّا لكم كما كنا ، ولستم (٣) لنا كما كنتم ألا وقد أصبحتم بعد (٤) قتيلين : قتيل بصفّين تبكون له ، وقتيل بالنهروان تطلبون بثأره ، فأمّا الباقي فخاذل ، وأمّا الباكي فثائر ، ألا وإن معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة ، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله جل وعز بظبا (٥) السيوف ، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرّضا.
فناداه القوم من كل جانب البقية البقية (٦). فلما أفردوه ، أمضى الصلح.
أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا محمّد بن العباس ، أنا أحمد بن معروف ، نا محمّد بن سعد ، أنا هشام أبو الوليد ، نا أبو عوانة ، عن حصين (٧) ، عن أبي جميلة [ميسرة بن يعقوب] أن الحسن بن علي لما استخلف حين قتل علي ، فبينما هو يصلّي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر ، وزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد وحسن ساجد.
قال حصين : وعمّي أدرك ذاك. قال : فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه فمرض منها أشهرا ثمّ برأ فقعد على المنبر فقال : يا أهل العراق اتّقوا الله فينا فإنّا أمراؤكم وضيفانكم الذين قال الله عزوجل : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٨).
__________________
(١) خطبته في أسد الغابة ١ / ٤٩١ وسير أعلام النبلاء ٣ / ٢٦٩.
(٢) في أسد الغابة والسير : منتدبكم.
(٣) عن المصدرين السابقين ، وبالأصل «وكنتم».
(٤) في المصدرين السابقين : بين.
(٥) ظبا السيف جمع ظبة وهو حده.
(٦) كذا بالأصل وأسد الغابة والمطبوعة ، وفي سير الأعلام : التقية التقية.
(٧) هو أبو الهذيل حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي ، ترجمته في تهذيب التهذيب ٢ / ٣٨٢ وسير الأعلام ٥ / ٤٢٢.
(٨) سورة الأحزاب ، الآية : ٣٣.