قالوا : أنا أبو الحسن بن جهضم ، نا محمّد بن جعفر بن سليمان ، نا عبد الرّحمن بن المفضّل ، نا محمّد بن الفضل ، نا أحمد بن مخلد ، وقال المكي بن خالد ، نا محمّد بن يحيى بن نعيم الربعي ، حدّثني أحمد بن عبد الله صاحب لإبراهيم بن أدهم قال : كان إبراهيم من أهل النعم بخراسان ، فبينما هو مشرف ذات يوم من قصره إذ نظر إلى رجل بيده رغيف يأكله في فيء (١) قصره ، فاعتبر ، وجعل ينظر إليه حتى أكل الرغيف ، ثم شرب ماء ، ثم نام في فيء (٢) القصر ، فألهم الله عزوجل إبراهيم بن أدهم الفكر فيه ، فوكل به بعض غلمانه ، وقال له : إذا قام هذا من نومه جيء (٣) به ، فلما قام الرجل من نومه قال له الغلام : صاحب هذا القصر يريد أن يكلّمك ، فدخل إليه مع الغلام ، فلما نظر إليه إبراهيم قال له : أيّها الرّجل ، أكلت الرغيف وأنا جائع؟ قال : نعم ، قال فشبعت؟ قال : نعم ، قال إبراهيم : وشربت الماء تلك الشّربة ورويت؟ قال : نعم ، قال إبراهيم : ونمت طيبا بلا همّ ولا شغل؟ قال : نعم ، قال إبراهيم : فقلت في نفسي : فما أصنع أنا بالدنيا. والنفس تقنع بما رأيت؟
فخرج إبراهيم سائحا إلى الله عزوجل على وجهه ، فلقيه رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيّب الريح ، فقال له : يا غلام من أين؟ وإلى أين؟ قال إبراهيم : من الدنيا إلى الآخرة؟ فقال له : يا غلام أنت جائع؟ قال : نعم ، فقام الشيخ فصلّى ركعتين خفيفتين وسلّم ، فإذا عن يمينه طعام وعن شماله ماء ، فقال له : كل ، فأكلت بقدر شبعي ، وشربت بقدر ريّي ، فقال لي الشيخ : اعقل وافهم ، لا تحزن ولا تستعجل ، فإن العجلة من الشيطان ، وإياك والتمرّد على الله ، فإن العبد إذا تمرّد على الله ، أورث الله قلبه الظّلمة والضّلالة مع حرمان الرزق ، ولا يبالي الله تعالى في أيّ واد هلك ، يا غلام إن الله عز وجعل إذا أراد بعبد خيرا جعل في قلبه سراجا يفرق بين الحق والباطل ، والناس فيهما متشابهون ؛ يا غلام إني معلّمك اسم الله الأكبر ـ أو قال : الأعظم ـ فإذا أنت جعت فادع الله عزوجل به حتى يشبعك ، وإذا عطشت فادع الله عزوجل به حتى يرويك ، وإذا جالست الأخيار فكن لهم أرضا يطئوك ، فإن الله تعالى يغضب لغضبهم ويرضى لرضاهم ، يا غلام خذ كذا حتى آخذ كذا. قال : لا ابرح ، فقال الشيخ : اللهم احجبني
__________________
(١) المختصر : فناء.
(٢) المختصر : فناء.
(٣) المختصر : جئني به.