قاتل حتى قتل ، فبينا هم كذلك إذ جائتهم النجدة مع المثنى بن مخرمة العبدي من البصرة ، ومن المدائن مع كثير بن عمرو الحنفي ، فاشتدت قلوب أهل العراق بهم ، واجتمعوا وكبّروا وأشتد القال حتى بان في أهل العراق الضعف والقلّة وتحدّثوا في ترك القتال ، فبعضهم وافق وبعضهم قال : إن وليّنا ركبنا السيف فلا نمشي فرسخاً حتى لا يبقى منّا واحد ، وإنّما نقاتل حتى يأتي الليل ونمضي ، ثم تقدم عبدالله بن عوف إلى الراية فرفعها واقتتلوا أشد قتال فقتل جماعة من أهل العراق ، وجاء أدهم بن محرز الباهلي في نحو عشرة آلاف مدداً من ابن زياد ، فاقتتلوا يوم الجمعة إلى ارتفاع الضحى ، ثم إنّ أهل الشام كثروا أصحاب سليمان وتعطّفوا عليهم من كل جانب ، وانفلت الجموع وافترق الناس ، وبان الإنكسار بأهل العراق فتراجعوا حتى وصلوا قرقيسا في جانب البر ، وجاء سعد بن حذيفة إلى هيت ، فلقيه الأعراب فأخبروه بما لقي الناس ، ثم عاد أهل المدائن وأهل الكوفة إلى بلادهم ، وقد أدّوا ما عليهم ، فمن استشهد منهم سعد في الدارين ومن لم يقتل منهم فقد أدّى ما عليه (١) لكنهم لم يصلوا إلى ما وصل إليه أصحاب أبي عبدالله الحسين عليهالسلام يوم عاشوراء فإنّهم جاهدوا دونه حتى جزروا على الأرض فوقف عليهم الحسين عليهالسلام وجعل يناديهم بأسمائهم ولسان حاله يقول :
أحبّاي لو غير الحمام أصابكم |
|
عتبت ولكن ما على الموت معتب |
__________________
(١) قتل سليمان بن صرد ومن قتل معه من التوابين بعين الوردة في ربيع الآخر سنة خمس وستّين.
(فائدة) : قال السبط ابن الجوزي في التذكرة : كان سليمان بن صرد له شرف في قومه ، ولمّا قبض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم تحوّل فنزل الكوفة وشهد مع علي عليهالسلام الجمل وصفين ، وكان في الذين كتبوا الى الحسين عليهالسلام أن يقدم إلى الكوفة غير أنّه لم يقاتل معه حيث سجنه ابن زياد وكان سن سليمان بن صرد يوم قتل ثلاثاً وتسعين سنة.