قال الراوي : فلمّا سمع السفاح كلامه أطرق برأسه إلى الأرض ، ثم رفع رأسه وقال له : يا سديف أحلم الناس من صفح عمّن ثلمه ، وصان عرضه عمّن ظلمه ، فلك عندنا افضل الكرامة والجزاء ، فانصرف يا سديف ، ولا تعد الى مثلها أبداً ، فخرج سديف من عنده ، والتفت السفاح إلى بني اُمية ، وقال لهم : إنّي اعلم أنّ كلام هذا العبد قد أرجفكم ، وقد أثر في قلوبكم ، فلا تعبئوا بكلامه فإنّي لكم كما تحبّون وفوق ما تأملون ، وسأزيد لكم العطاء وأقرب لكم الجزاء ، وأقدّمكم على غيركم ، فخرجوا من عنده وقد سكن ما بهم واجتمعوا للمشورة فيما بينهم ، قال قائل منهم : هلمّوا بنا حتى ندخل على السفاح ونسأله ان يسلّم إلينا هذا العبد فنقتله ، وامتنع الآخرون من هذا القول.
ولمّا أن أمسى المساء أرسل السفاح خلف سديف فأحضره عنده ، فلمّا دخل عليه سديف قال له : ويلك يا سديف إنّك لعجول في أمرك ، مفش لسرّك ، ألا تستعمل الكتمان. فقال سديف : الكتمان قد قتلني ، والتحمّل قد أمرضني ، والنظر الى هؤلاء الظلمة قد أسقمني ، ولكن يخفى عليك أمري وما حل بي وبأهلك وعشيرتك من قتل الرجال وذبح الأطفال وهتك النسوان حمل حريم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على الأقتاب بغير غطاء ولا وطاء يطاف بهم البلدان ، فأيّ عين ترقا مدامعها وأيّ قلب لا ينفجع عليهم ، فاستوف لهم الدماء ، واضرب بحسامك العدا ، وخذ بالثار من الظلمة لأئمّة الهدى ومصابيح الدجى وسادة الأحرار ، ثم أنشأ يقول :
رجالكم قتلوا من غير ذي سبب |
|
واهلكم هتكوا جهراً على البدن |
بلى والله لقد قتلوا أبناء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأحفاده وأسروا كرائمه على عجف النياق بلا غطاء ولا وطاء.
رجالهم صرعى وأسر نساؤهم |
|
وأطفالهم في السبي تشكوا حبالها |