مِنَ الرِّزْقِ) المستلذّات من المأكل والمشرب أو المباحات ، ففيها دلالة واضحة على أنّ الأشياء خلقت على الإباحة دون الحرمة ، كما في غيرها ، كما صرّح به صاحب الكشاف في أوّل سورة البقرة في قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١) أي لانتفاعكم بجميع ما خلق فيها بل هي وما فيها كما دلّ عليه العقل فاجتمع الآن العقل والنقل على أنّ الأصل في الأمور هو الإباحة ، وغيرها يحتاج إلى الدليل فتأمل. (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي الطيّبات ثابتة ومباحة للمؤمنين مع مشاركة الكفّار لهم (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً) للمؤمنين مختصّة بهم (يَوْمَ الْقِيامَةِ) ففي الحياة الدنيا ، متعلّقة بمتعلّق «للّذين» ويحتمل بآمنوا ، وخالصة حال عن ضمير الطّيبات في متعلّق «للّذين» ويوم القيمة ظرف لخالصة.
ثمّ أشار مرّة أخرى إلى حصر المحرّمات الإضافيّة بقوله (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) الفواحش ما زاد فحشه وقبحه ، وقيل : المراد ما يتعلّق بالفروج (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) جهرها وسرّها (وَالْإِثْمَ) أي ما يوجب الإثم تعميم بعد تخصيص وقيل : شرب الخمر (وَالْبَغْيَ) الظلم والكبر (بِغَيْرِ الْحَقِّ) متعلّق بالبغي مؤكّدا له (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) تهكّم بالمشركين ، وتنبيه على وجوب اتّباع البرهان ، حيث يفهم أنّه لو كان على الشرك برهان لوجب إلّا أنّ البرهان عليه محال ، وعلى تحريم اتّباع ما لم يدلّ عليه برهان (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) بالإلحاد في صفاته ، والافتراء عليه ، وإسناد الأمور الغير الصادرة عنه إليه تعالى ، منها أنّ الحكم في المسئلة كذا مع أنه ليس كذلك وأنّ الله يعلم كذا ولم يكن كذلك ، ويدخل فيه الفتوى والقضاء بغير الاستحقاق وهو ظاهر ، ومعلوم وجود محرّمات غير هذه المذكورات فهي متروكة الظاهر ، ومخصوصة بها ، والحصر إضافيّ فتأمل.
الثالثة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) (٢).
__________________
(١) البقرة : ٢٩.
(٢) المائدة : ٤.