لو رجعوا (فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) قابلا لتوبتهم وراحما لهم بعدم تعذيبهم بما صدر منهم.
ثمّ أكّد الرضا بالحكم الحقّ المرّ وعدم الميل إلى غيره بقوله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ) الآية.
الثانية عشر : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) (١).
الفسق الخروج عن الطاعة والحقّ ولعلّ المراد هنا ما يخرج به صاحبه عن العدالة فيكون المراد الكبيرة ، والنبإ الخبر ، وتنكيرهما يدلّ على العموم أي إذا جاءكم أيّها المؤمنون أيّ فاسق كان بأيّ خبر كان ، فتوقّفوا فيه وتطلّبوا بيان الأمر وانكشاف الحقّ ولا تعتمدوا قول الفاسق ولا تعملوا به ، فإنّ الفسق مانع كراهة أن تصيبوا قوما جاهلين ، فتقبلوا كلامهم ، فتصيروا نادمين على ما فعلتم من قبول قولهم.
فقد ظهر تركيبها ومعناها ، ويمكن أن يستدلّ بمنطوقها على عدم جواز قبول خبر الفاسق فلا يجوز أن يقال صادق ولا كاذب لفسقه ، فخبر الواحد مقبول وبمفهومها على قبول خبر غير الفاسق ، فلا يشترط في قبول الخبر المروّة ونحو ذلك من عدم العداوة ولا التعدّد والقرابة والصداقة وعدم التهمة إلّا أن يثبت بدليل ، ويمكن أن يستدلّ أيضا على قبول خبر مع انضمام القرائن فيقبل الخبر المحفوف بالقرائن وعلى عدم قبول مجهول الحال إن جوّزت الواسطة بين الفاسق والعادل كما هو الظاهر : بأنّها تدلّ بظاهرها على أنّ الفسق مانع وعدمه شرط للقبول ، فما لم يعلم رفع المانع وتحقّق وجود الشرط لا يعمل به وهو ظاهر ، ولا يكفي أنّ الأصل عدم الفسق وظاهر حال المسلم ، وذلك لأنّه معارض بأصل عدم فعل الطاعات ، وأنّ الوقوع كثير وعدمه أكثر فلا يبقى الاعتماد فتأمّل.
__________________
(١) الحجرات : ٦.