وفيه نظر واضح وفسادها ظاهر ، كيف يأمر الله بطاعة الفسّاق ويجعل طاعتهم مثل طاعته وطاعة رسوله ، مع أنّه أمر أوّلا بأداء الأمانة ، والحكم بالعدل ، والمباينة الكلّيّة بينهم وبين الله ورسوله ، ونهى عن سماع خبر الفاسق بقوله (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) الآية وأوجب مهاجرتهم في الآيات والأخبار والإجماع وتوعّد الظالم نار جهنّم ، وذمّه كثيرا حتّى قليلا مّا يوجد صفحة في المصحف الشريف خالية عنه ، ويبالغ في ذلك حتّى جعل الميل القليل إليه موجبا لمسّ النار بقوله (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) مع اشتراط العلماء العصمة في الأنبياء حال النبوّة والعدالة في الشهود والحاكم والمفتي في مسئلة واحدة ، بل في إمام الجماعة كما صرّح به في الكشّاف في تفسير قوله تعالى (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) الآية ولأنّ حكّام الجور كثيرون ، فقد يختلفون فمتابعة أيّهم يجب ولأنّه يجب على الرعيّة منعهم إذا ارتكبوا منكرا وتركوا معروفا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكيف تجب متابعتهم.
ولأنّ الّذي يأمرون به إن كان ممّا أن يؤمر فلا خصوصيّة له بهم وإلّا لم يجب متابعتهم وهو ظاهر وبالجملة فساد هذا القول أوضح من أن يذكر.
قال في الكشّاف : المراد بأولى الأمر منكم أمراء الحقّ لأنّ أمراء الجور الله ورسوله بريئان منهم ، فلا يعطفون على الله ورسوله في وجوب الطاعة لهم ، وإنّما يجمع بين الله ورسوله والأمراء الموافقين لهما في إيثار مرّ العدل واختيار الحقّ والأمر بهما والنهي عن أضدادهما إلى قوله وقد جنح أي جعل له جناح الأمر بطاعة اولي الأمر ممّا لا يبقى معه شكّ وهو أن أمرهم أوّلا بأداء الأمانات ، وبالعدل في الحكم وأمرهم آخرا بالرجوع إلى الكتاب والسنّة فيما أشكل ، وأمراء الجور لا يؤدّون أمانة ولا يحكمون بالعدل ولا يردّون شيئا إلى كتاب ولا إلى سنّة ، وإنّما يتّبعون شهواتهم حيث ذهبت بهم ، فهم منسلخون عن صفات الّذين هم اولي الأمر عند الله وعند رسوله ، وأحقّ أسمائهم اللصوص المتغلّبة.
وقد بالغ أيضا في ذمّ حكّام الجور وعدم استحقاقهم الحكم ، ووجوب الطاعة