(لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) (١) فقلّ من يشربها ، فيه أيضا أنّ ما سبقها أدلّ على التحريم فعدم ترك الأكثر إلّا عند هذه لعدم الفهم من السابق والفهم منها بعيد.
ثمّ قالا : دعا عتبان بن مالك قوما فيهم سعد بن أبي وقّاص فلمّا سكروا افتخروا وتناشدوا حتّى أنشد سعد شعرا فيه هجاء الأنصار فضربه أنصاريّ بلحي بعير فشجّه موضحة فشكى إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال عمر اللهمّ بيّن لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) إلى قوله (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (٢) فقال عمر : انتهينا يا ربّ ، وعن عليّ رضياللهعنه : لو وقعت قطرة خمر في بئر فبنيت مكانها منارة لم أؤذّن عليها ولو وقعت في البحر ثمّ جفّ ونبت فيه الكلأ لم أرعه ، وعن ابن عمر لو أدخلت إصبعي فيه لم يتبعني ، يعني قطعتها ، وهذا هو الإيمان حقّا وهم الّذين اتّقوا الله حقّ تقاته.
وفي كلامه هذا أيضا نظر ، فانّ عدم فهم الصحابة التحريم ممّا تقدّم بعيد كما عرفت ، وأنّهم سألوا البيان والتحريم ولم يبيّن لهم مع ذكر الجواب لهم واشتماله على المفاسد المذكورة ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة مع أنّ معظم الأصوليّين ما يجوّزونه بل نقل الإجماع إلّا عن نادر ممّن قال بجواز التكليف بالمحال ، وأنّه صلىاللهعليهوآله ترك السؤال حتّى سأل غيره ، وأنّ عمر مع علمه باشتمالها على المفاسد وسماعه هذه الأجوبة ما ترك شرب الخمر وهو بعيد عنه حيث قال انتهينا وأنّ وصفه لعلي عليهالسلام وابن عمر بكمال الايمان يشعر بعدمه في غيره ممّن سبق ذكره وهو أيضا بعيد عنه بل محال.
ورجوع قوله وهذا هو الايمان إلى الكلّ بعيد جدّا ويأباه سوق الكلام ولعلّه لذلك ترك القاضي النقل عن عليّ وابن عمر ، والقول بأنّه هذا هو كمال الإيمان مع نقله ما سبقه.
__________________
(١) النساء : ٤٣.
(٢) المائدة : ٩٠.