كأنّه لقطع الطمع في أنّهم يرحمون ولا يعذّبون أهل العذاب ، وقتا مّا ، أو أنّهم وصفهم بأنّهم ما عصوا ربّهم فيما مضى وما استقبل ، وفي هذه الآية توبيخ عظيم وزجر كثير لمن يترك طاعة الله ويعصيه ، ولو بترك أهله.
فدلّت على وجوب أمر الأهل ونهيه لسائر العبادات وعن المعاصي كما يدلّ عليه وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقا ، فكأنّ بالنسبة إلى الأهل زيادة اعتناء ، فدلّت على وجوب تعليمهم الواجب والمحرّم ، وأمرهم بالفعل ونهيهم عن الترك.
ثمّ أشار بعدم قول العذر في القيامة بقوله (لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) وهو ظاهر ، وأشار إلى وجوب التوبة والعذر في الدنيا بقوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ) الآية (١) توبة نصوحا بالغا في النصح ، وهو صفة للتائب ، فإنّه ينصح نفسه ، وصف به التوبة للمبالغة ، وتذكيره لكونه فعولا بمعنى الفاعل عن ابن عبّاس قال : قال معاذ بن جبل : قلت يا رسول الله ما التوبة النصوح؟ قال أن يتوب التائب ثمّ لا يرجع كما لا يعود اللّبن إلى الضرع ، قال ابن مسعود : التوبة النصوح هي الّتي تكفّر كلّ سيّئة وهو في القرآن ثمّ تلا هذه الآية ، وقيل إنّ التوبة النصوح هي الّتي يناصح الإنسان فيها نفسه بإخلاص الندم ، مع العزم على أن لا يعود إلى مثله في القبح ، وقيل : هي أن يكون العبد نادما على ما مضى مجمعا على أن لا يعود فيه ، وقيل ، هي الصادقة وقيل هي أن يستغفر باللّسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن ، وقيل : هي : المقبولة ولم تقبل ما لم يكن فيها ثلاث : خوف أن لا يقبل ورجاء أن يقبل وإدمان الطاعة وقيل هي أن يكون الذنب نصب عينيه ، ولا يزال كأنّه ينظر إليه ، وقيل هي من النصح بمعنى الخياطة لأنّ العصيان يمزّق الدين والتوبة ترقّعه ، وقيل : لأنّها جمعت بينه وبين أولياء الله كما جمع الخيّاط الثوب وألصق بعضه ببعض ، وقيل : لأنّها أحكمت طاعته وأوثقها كما أحكم الخيّاط الثوب وأوثقه.
__________________
(١) التحريم : ٨.