الحاضرة تعمّ المبايعة بعين أو دين لكن غير مؤجّل بل كلّ معاملة بعين أو دين بيعا وغيره ، فالحاضرة أي الحالّة وإدارتها بينهم تعاطيها إيّاها وتداولها وتعارفها بينهم ، ونصب تجارة على أنها خبر تكون والاسم مضمر فيه أي تكون المعاملة أو التجارة المفهومة من سوق الكلام ، وحاضرة صفة لها ، وتديرونها كذلك أو حال. ورفعها على أن تكون تامّة أو هي اسمه والخبر تديرونها والاستثناء من التداين والتعامل أو الدين ، وفي القاضي أنّه استثناء عن الأمر بالكتابة وليس بجيّد وهو ظاهر.
فدلّت على عدم كون الكتابة في التجارة الحاضرة مأمورا بها بالمثابة الّتي كانت في الدين المؤجّل ، وعلى إباحة المعاملة بالدّين الحالّ والعين (وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ) هذا هو التبايع المذكور سابقا أي التجارة الحاضرة ، أو مطلق التبايع وهو الأظهر بل مطلق المعاملة ، فدلّت على وجوب الاشهاد عليها أو على التبايع مطلقا أو المعاملة مطلقا ، بأن يطلق البيع ويراد مطلق المعاملة ، ولكنّ الأكثر على الاستحباب كما هو ظاهر الأصحاب ، قال القاضي : والأوامر الّتي في هذه الآية للاستحباب عند أكثر الأئمّة وقيل إنّها للوجوب ، ثمّ اختلف في أحكامها ونسخها وفيه تأمّل إذ الظاهر وجوب أداء الشهادة بل تحمّلها أيضا كفاية عندهم أيضا وكذا الكتابة بالعدل والإملال من صاحب الحقّ والوليّ وكذا بعض آخر فتأمّل.
(وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ) أي الشاهد ويحتمل (لا يُضَارَّ) البناء للفاعل والمفعول كما في آية الرضاع ، وهو نهيهما عن إضرار المتداينين بترك الإجابة والتحريف والتغيير في الكتابة والشهادة أو نهي عن الضرر بهما مثل استعجالهم عن مهمّ ضروريّ وعن تحصيل المعاش وتكليف السفر إلى بلد القاضي والمدّعى عليه ، وتكليف الكاتب قلما أو مدادا أو قرطاسا وعدم الجعل له على القول به ، كما هو الظاهر من عدم الضرر والإضرار ، فيكون من بيت المال على تقديره وإلّا فمن مال صاحب الدّين كما قيل ، (وَإِنْ تَفْعَلُوا) الضرار وما نهيتم عنه (فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) خروج عن الطاعة لا حق بكم ضرره (وَاتَّقُوا اللهَ) في مخالفة أمره ونهيه (وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ)