«ومن» تبعيضيّة إشارة إلى عدم السرف ، فيدخل فيه الإنفاق الواجب على النفس والزوجة والأبوين والأولاد ، والزكوات ، والنذورات ، والأخماس ، والمندوبات من صلة الأقارب والاخوان ، ومطلق صرف المال لله (سِرًّا وَعَلانِيَةً) أي لا يلاحظ أنّ هذا عند الناس ، وينبغي أن يكون في الخلوة والسرّ بل يفعله لله سراة علانية ، واجبة كانت أو مندوبة ، ولا يؤخّر لأنّ في التأخير آفة إذ قد عرفت أنّ المدار على النيّة والإخلاص ، وهو أمر قلبيّ لا يخصّ بجهر وإخفاء ، وقد تقع الرياء في الإخفاء أكثر من الجهر.
ويحتمل أن يكون المراد التعميم لإدراك الفضيلة كما في قوله تعالى (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً) مع قول أمير المؤمنين عليهالسلام حين سأله صلىاللهعليهوآله عن وجه التقسيم في اللّيل والنهار والسرّ والعلانية ، ويحتمل التقسيم للواجب والندب ، كما في الكشّاف أو يكون للواجب فقط ، والتقسيم بالنسبة إلى من يعرف بأنّ له مالا ، وإلى من لم يعرف به ، كما قال القاضي وليسا بجيّدين.
(وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) أي يدفعون بفعل الطاعة المعصية ، عن ابن عباس يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيّئ غيرهم ، وعن الحسن إذا حرموا أعطوا وإذا ظلموا عفوا ، وإذا قطعوا وصلوا ، وإلى مثل هذا أشار في الأخبار عنهم عليهمالسلام : صل من قطعك ونحو ذلك ، وقيل إذا أذنبوا تابوا ، وقيل : إذا رأوا منكرا أمروا بتغييره ويحتمل أن يكون إشارة إلى التكفير أو اللطف مثل قوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (١) وأن يكون عامّة لدفع جميع القبائح على الوجه الحسن ، ومقابلته ودفعه بالحسن الجميل (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) عاقبة دار الدّنيا ، وما ينبغي أن تكون عاقبة لأهلها ، فإنّ الآخرة هي عقبى الدار ومنتهاها وهي الجنّة الّتي وعد المتّقون ، والجملة خبر الموصولات ، إن رفعت بالابتداء وإن جعلت صفات لاولي الألباب فاستيناف لما استوجبوا بتلك الصفات.
__________________
(١) العنكبوت : ٤٥.