على شرك الكلّ أيضا صاحب الكشّاف في غير هذا الموضع فتأمّل فيه ويستفاد من الآية أحكام :
منها كون المشرك نجسا ، ويتفرّع عليه نجاسة ما باشره من المائعات كما ينجس سائر الأشياء بملاقات النجاسة رطبا فقوله تعالى : «طعامهم حلّ لكم» (١) يراد به الحبوب كما ورد به الرواية (٢) ويحتمل كون المراد حلّيّة طعامهم من حيث إنّه طعامهم (٣) أي أنّه لا يصير الطعام بمجرّد أنّه طعامهم حراما بل ، إنّما يحرم
__________________
الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ، قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
فالظاهر من الآية أن المراد بالشرك شرك العبادة والطاعة وقلما تنجو منه أمة من الأمم ، وأما قولهم بأن عزيرا ابن الله أو المسيح ابن الله ، فكقول اليهود عامة (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ) ولم يعن علماؤهم من الأحبار والرهبان أنهما أبناء الله حقيقة ، بل على التأويل ، وقولهم هذا ليس بكفر بل يضاهي قول الذين كفروا وقد خرج عن أفواههم لا عن قلوبهم وإنما قالوا ذلك تخليطا وتطبيقا لمذاهب الوثنية وترغيبا في دخولهم في أديانهم واستجلابا لانظارهم وأفكارهم.
(١) المائدة : ٥ ، والآية هكذا : اليوم أحل لكم الطيبات ، وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم».
(٢) راجع تفسير العياشي ج ١ ص ٢٩٦ ، وقد قال جمع من أساطين اللغة بأن المراد بالطعام في عرف أهل الحجاز البر خاصة ، راجع مقاييس اللغة لابن فارس ، النهاية لابن الأثير ، وقال الجوهري الطعام ، ما يؤكل ، وربما خص بالطعام البر ، وفي حديث أبى سعيد رضى الله عنه كنا نخرج صدقة الفطر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله صاعا من طعام ، أو صاعا من شعير.
(٣) يعنى أن إطلاق الآية الشريفة إنما هو من جهة إضافة الطعام إليهم إضافة الملك ، ولذلك قال ، (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) يعنى أنه لا بأس بأن تبيعوا طعامكم منهم كما أن لا بأس بأن تشتروا أنتم طعامهم ، وليس لها إطلاق من حيث المباشرة وصنع الطعام أو من حيث جنس الطعام حتى يحل لحم الخنزير والخمر وغير ذلك.