ولم يستعمل قدرته في عتابه لحسن ظنّه بالله أو مثّل عدم فعله تعالى ـ بسبب أنّه كان جائرا له ـ بمن لا يقدر عليه ، فهو تمثيل واستعارة قاله في الكشاف.
وقال في مجمع البيان ظنّ أن لن يضيّق عليه ، فتأمّل ، وهذا مرويّ عن الأئمّة عليهمالسلام قال الجبائي ضيّق الله عليه الطريق حتّى ألجأه إلى ركوب البحر ثمّ قذف فيه فابتلعته السمكة وقيل استفهام وتقديره أفظنّ أن لن نقدر عليه؟
(فَنادى) أي ذو النون (فِي الظُّلُماتِ) ظلمة بطن الحوت ، وظلمة اللّيل ، وظلمة البحر ، أو أنّ الحوت الّذي بلعه بلعه حوت آخر فصارت ظلمات بطنين وظلمة الليل أو شدّة الظلمة فكأنّها ظلمات كثيرة (أَنْ لا) أي بأن لا (إِلهَ إِلَّا أَنْتَ) أو أي لا إله فأن بمعنى أي وفي الأوّل با مقدّرة (سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي من الّذين وجد منهم الظلم ، قاله على سبيل الخشوع والخضوع ، لأنّ جنس البشر لا يمتنع منه وقوع الظلم ، ولم يكن في بطن الحوت على جهة العقوبة لأنّها عداوة والنبيّ ليس بعدوّ لله ، بل على جهة التأديب فإنّه يجوز للمكلّف وغيره كالصّبيّ ولغير العدوّ كذا في مجمع البيان.
(فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) أي ليست النجاة بمخصوصة به بل ننجي كلّ مؤمن مبتلى دعا به ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلّا استجيب له ، وهو صريح في قوله تعالى (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) وفي الكشاف : عن الحسن ما نجّاه والله إلّا إقراره على نفسه بالظلم.
ففي هذه الآية الشريفة دلالة على الترغيب والتحريص على الصبر والتحمّل وعدم ترك الذكر والوعظ وعدم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والمبالغة في ذلك جدّا وكثيرا ، لعدم الأثر ، وعدم ترك ما أمر الله به إلّا بإذنه ، لا بظنّ عدم التأثير ، فينبغي عدم ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمجرّد ظنّ عدم التأثير كما هو المشهور فإنّه يحتمل إصابة عذاب وعقاب عظيم بذلك ، كما فعل بذي النون عليهالسلام.
فتدلّ على أنّه لا بدّ أن يكون الإنسان على خوف عظيم ، إذ فعل به عليه