لأحد على فعل قبل بعثة الرسول ، وبيان قبح ذلك القبيح له ، وأنّ ذلك العقاب غير جائز عند العقلاء ، بل ذلك مذموم وقبيح ، إذ للمعاقب اعتراض معقول لا دفع له ، بأن يقول لو لا أرسلت إلينا رسولا ، وهو عين الحسن والقبح العقليّين ، وأن ليس لله ما يفعل ، وإن كان قبيحا ، وأن لا قبيح إلّا ما قبّحه بل لا يقبّح إلّا قوله لا تفعل ولا يحسّن إلّا قوله افعل ، وهو ظاهر وإلّا فلا معنى حينئذ لقوله لو لا أرسلت وكان عقابهم معقولا ، بل لا معنى للحساب والميزان فتأمّل.
(قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) (١) قال في الكشاف : وفيه دليل على جواز الاجتهاد والقول بالظنّ الغالب ، وأنه لا يكون كذبا وإن جاز أن يكون خطا وفيه تأمّل فتأمّل.
(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) في الكشاف أو يدخلوكم في ملّتهم بالإكراه العنيف ، ويصيّروكم إليها ، والعود في معنى الصيرورة أكثر شيء في كلامهم ، يقولون ما عدت أفعل كذا يريدون ابتداء الفعل (وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) إن دخلتم في دينهم في مجمع البيان : قيل من اكره على الكفر فأظهره فإنّه مفلح ، فكيف يصحّ الآية ، والجواب يجوز أن يكون أراد يعيدوكم إلى دينهم بالاستدعاء دون الإكراه ، ويجوز أن يكون في ذلك الوقت كان لا يجوز التقيّة في إظهار الكفر بمعنى لو أظهر باللسان وإن لم يكن من القلب يكون مأثوما وكافرا لا ينفعه الايمان بعده ، وفيه بعد عقلا ونقلا فالأوّل متعيّن وظاهر الآية كما قال في الكشّاف إن صرتم إلى ملّتهم لن تفلحوا أبدا يعني باختياركم بعد تكليف هؤلاء لكم ، ففيه دليل على عدم قبول توبة المرتدّ فتأمّل ، ويحتمل التقييد بما دام كنتم في دينهم غير راجع إلى دين الحقّ وهو ظاهر فتأمّل.
(فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً) أي فلا تجادل أهل الكتاب في شأن أصحاب الكهف إلّا جدالا ظاهرا غير متعمّق فيه ، وهو أن تقصّ عليهم ما أوحى الله إليك فحسب ، ولا تزيد ، من غير تجهيل لهم ، ولا تعنيف بهم في الردّ عليهم ، كما قال :
__________________
(١) الكهف : ١٩.