والأسف إذا كان يوم القيامة واشتدّت حاجته إليها ، ووجدها محبطة ، بحال من هذا شأنه وأشبه بهم من جال بسيرة في عالم الملكوت وترقّى بفكره إلى جناب الجبروت ثمّ نكص على عقبيه إلى عالم الزّور ، والتفت إلى ما سوى الحقّ وجعل سعيه هباء منثورا (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) أي تتفكّرون فيها فتعتبرون بها.
ولنتبع الكتاب بآية (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ (١)) فاعل «تحسبنّ» النبيّ صلىاللهعليهوآله ، أو كلّ من يصلح للتخاطب و «الّذين» مفعوله الأوّل بحذف المضاف ليربط به المفعول الثاني ، وهو خيرا ، و «هو» فصل أي لا تظننّ بخل الّذين يبخلون خيرا لهم ، وعلى قراءة «يحسبنّ» بالغيبة يحتمل كون الفاعل محسب وعاقل ونحو ذلك ، وهو ظاهر من السوق أو «الّذين» ومفعوله الأوّل حينئذ محذوف أي لا يظننّ الّذين يبخلون بخلهم خيرا لهم ، هكذا قالوا ، وهذا خلاف ما في الكافية من عدم جواز حذف أحد مفعولي باب حسبت ، فكأنّه محمول على الغالب. أو على الحذف الّذي يكون نسيا منسيّا.
قيل في معنى (سَيُطَوَّقُونَ) يجعل ما يبخل به من المال طوقا في عنقه ، والآية نزلت في مانع الزكاة ، وهو المرويّ عن أبي جعفر عليهالسلام وروي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : ما من رجل لا يؤدّي زكاة ماله إلّا جعل في عنقه شجاع يوم القيامة ثمّ تلا عليهالسلام هذه الآية ، وقيل : ومعناه ويجعل في عنقه طوق من نار ، وغير ذلك ، وقيل : يؤتى بما بخل من المال فيجعل ذلك طوقا ويعذّب به مثل (يَوْمَ يُحْمى) (٢) وقيل : معناه : يعود وباله إلى عنقه ، وقد يعبّر عن الإنسان بالرقبة كقوله : (فَكُّ رَقَبَةٍ) (٣).
قال في مجمع البيان : قد تضمّنت الآية الحثّ على الإنفاق ، والمنع عن
__________________
(١) تمام الآية : بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير ، الاية ١٨٠ من آل عمران.
(٢) براءة : ٣٥.
(٣) البلد : ١٣.