المال من عين أو رزق ولعلّ المراد بالوالدين أعمّ ممّن كان بواسطة أو بلا واسطة حقيقة أو تغليبا ، والأقربين : أقارب المنفق غيرهما ، واليتيم : طفل لا أب له ، والمسكين من ليس له نفقة السنة ، وابن السبيل المسافر المنقطع به (ما ذا يُنْفِقُونَ) «ما» مبتدأ و «ذا» خبره ، وهما بمنزلة لفظ واحد مفعول «ينفقون» ، و «ما» موصولة متضمّنة لمعنى الشرط ، وأنفقتم صلتها و «من» بيان «ما» وحال عن العائد المحذوف «فللوالدين» خبر مبتدأ محذوف والمجموع خبر «ما» وصحّ دخول الفاء لتضمّنها معنى الشرط.
قال في مجمع البيان : إنّها نزلت في عمر وبن الجموح وكان شيخا كبيرا وكان ذا مال كثير ، فقال : يا رسول الله بما ذا أتصدّق؟ وعلى من أتصدّق؟ فأنزل الله هذه الآية (١) والمعنى يسألونك يا محمّد أيّ شيء ينفقون؟ وكأنّ المراد ما ينفقون على وجه كامل ، فيدخل المنفق عليه أيضا والقرينة أنّه كان في سؤال عمرو وأنّه المقصود الحقيقيّ وأنّه مذكور في الجواب فبيّن في الجواب كلّا ممّا سئل من المنفق والمنفق عليه ، لأنّه بيّن أنّ كلّ ما أنفق فهو حسن إذ بيّن أنّ المنفق لا بدّ أن يكون خيرا أي ما لا فهو مقدّر في طرف القلّة بما يسمّى خيرا وأمّا في طرف الكثرة فلا حدّ له فلا يحتاج إلى أن يقال : إنّه ترك المنفق وبيّن المصرف مع أنّ السؤال عن المنفق للإشارة إلى أنّ الأهمّ هو بيان المنفق عليه فينبغي السؤال عنه لا عن المنفق ، فإنّه أيّ شيء كان فهو حسن.
ثمّ إنّه قال في الكشّاف عن السدّي : هي منسوخة بفرض الزكاة واعترض عليه القاضي أنّه لا ينافي الزكاة حتّى ينسخ بها ، والظاهر أنّ المراد أنّها كانت نازلة في الزكاة ثمّ نسخت ببيان مصرفها بآية الزكاة ، ولهذا ليست في فرض الزكاة فقطّ بل في بيان المصرف ويؤيّده ما قاله في مجمع البيان وقال السدىّ : الآية واردة في الزكاة ثمّ نسخت ببيان مصارف الزكاة ، فالمنافاة حاصلة باعتبار الإنفاق على الوالدين مع عدم جواز إعطائها لهما اتّفاقا على ما قالوه ، وكذا بعض الأقارب
__________________
(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٣٠٩.