فالحديث إشارة إلى حسن حال أصحاب الصفّة وأنّهم على أمر عظيم ، وكذا من هو مثلهم ، ومضمون الآية الشريفة حثّ الأغنياء على الإنفاق على أمثالهم ، واستحبابه ، وحثّ الفقراء على الاتّصاف بصفة هؤلاء الموصوفين من الاشتغال بالعبادات وبذل النفس وحبسها في سبيل الله ، والصبر على الفقر ، والرضا به ، وعدم السؤال فإنّ الظاهر أنّ الحكم غير مختصّ بهؤلاء المذكورين كما يفهم من سوق الآية وذكر العلماء إيّاها في باب الزكاة ، والخبر المنقول آنفا ، وأيضا لعدم وجود الفارق للاتّصاف بالصفات الحسنة وحينئذ لا كراهة في أخذ الزكاة ، وترك الكسب اشتغالا بالعبادة ، سيّما طلب العلوم الدينيّة فإنّه كالجهاد ، بل أعظم على ما قالوا وورد به بعض الروايات ، بل يكون مستحبّا إلّا أن يكون صاحب عيلة فيسعى في الكسب لهم دون الاشتغال بالعبادة لاحتمال حصول الزكاة ، الله يعلم.
ثمّ حثّ على الإنفاق أيضا بل على الإنفاق دائما وبكلّ ماله بقوله (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) قال في الكشّاف وتفسير القاضي ومجمع البيان إنّه قال ابن عباس إنّها نزلت في علىّ بن أبي طالب عليهالسلام حيث كانت معه أربعة دراهم فتصدّق بواحد نهارا وبواحد ليلا وبواحد سرّا وبواحد علانية ، قال في مجمع البيان وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام (١) وقيل غير ذلك أيضا مثل أنّها نزلت في خيل المرابطة ، وقيل في كلّ منفق كذلك ، والظاهر أنّها نزلت فيه عليهالسلام للأخبار والشهرة ولكنّها عامّة فكلّ من يفعل ذلك فله هذا ، ولكنّ السابق هو عليهالسلام فله أجر كلّ من يفعل من غير أن ينقص من أجر الفاعل شيء للخبر المشهور (٢).
وهذه تدلّ على حسن الإنفاق واستحبابه ولو بكلّ المال ، وفي كلّ وقت وعدم الخوف والحزن لعدم حصول النفقة له على احتمال ، إذ حاصلها وصف الّذين يعمّون الأوقات والأحوال ، وأموالهم بالصّدقة ، لحرصهم على
__________________
(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٣٨٨.
(٢) من سن سنة حسنة إلخ.