«تخونون» إذ الاختيان أبلغ في الخيانة كالاكتساب والكسب ، فإنّ زيادة المباني تدلّ على زيادة المعاني ، كما هو المشهور عندهم ، فيحتمل أن يكون الزيادة في الاكتساب هنا (١) إشارة إلى أنّ المعصية لا تكتب عليها ، ولا تصير سببا للعقاب إلّا بعد كثرتها : فعلا أو إصرارا والسعي والجدّ في تحصيلها وتعمّدها وعمدها (٢) والكسب في الطاعة ، إلى أنّ الطاعة تكتب ويثاب عليها ، بمجرّد وقوعها ، على أيّ وجه كانت وأدنى شيء منها ، فيكون إشارة إلى كمال كرم الله ولطفه ورحمته وشفقته قال صاحب الكشّاف وذكر في المطوّل أيضا أنّه إشارة إلى أنّ النفس إنّما تعمل المعاصي بالميل والشهوة والسعي ، فهي أعمل وأجدّ في المعصية ، بخلاف الطاعة.
(فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي قبل توبتكم إن تبتم عمّا فعلتم ، ومحا عنكم ذنوب ما فعلتم من المحرّم الّذي ذكرناه من قبل أو مطلقا لعموم اللفظ ، فدلّ على وجوب قبول التوبة سمعا ، لأنّ الله تعالى أخبر بذلك (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ) يعني لمّا جوّزنا ورفعنا التحريم ، فافعلوا ما نهيناكم عنه وابتغوا واطلبوا ما كتبنا لكم وقدّرنا وأثبتناه في اللّوح المحفوظ من الولد ، إشارة إلى أنّه لا ينبغي حصر الغرض من هذا الفعل في الشهوة وإعطاء النفس ما تريد ، بل ينبغي جعل ما هو مطلوب لله منه غرضا ومطلوبا ، أو اجعلوا جميع ما تطلبون في مطالبكم وأفعالكم من أرزاقكم وأزواجكم وأولادكم ما كتب الله لكم ، أي اقصدوا الّذي قدّره ورضيه لكم ، لا غيره ، فإنّكم تتعبون في التحصيل ، ولم يحصل وما يليق بكم أيضا ، لعموم اللفظ.
(وَكُلُوا) أي باشروهنّ وأطعموا (وَاشْرَبُوا) من حين الإفطار إلى أن يعلم لكم الفجر المعترض في الأفق ممتازا عن الظلمة الّتي معه ، فشبّه الأوّل بالخيط الأبيض ، والثاني بالأسود ، وبيّن المراد بأنّ الأوّل هو الفجر ، واكتفى ببيانه عن بيان الثاني لأنّه علم من ذلك ، ثمّ بيّن آخر الصوم بقوله : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ
__________________
(١) في قوله تعالى (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) البقرة : ٢٨٦.
(٢) في النسخ : وعدمها ، وهو تصحيف : وقد فسره بعضهم بقوله : أى يحتمل أن عدم زيادة الحروف والمعاني والكسب إشارة إلى أن الطاعة تكتب ، وهو كلام بارد.