المصلحة أو أنّه نزل في شأنه بعض القرآن ، أي وصفه وبيان رتبته بأنّ فيه ليلة [هي] خير من ألف شهر.
ثمّ بيّن كيفيّة وجوب هذا الصوم بأنّه على من يجب وفي أيّ وقت؟ كما سنذكره في الآية اللّاحقة ، فقال (فَمَنْ شَهِدَ) أي حصّر في موضع في هذا الشهر غير مسافر بل ولا مريض أيضا ، فالشهر مفعول فيه كما صرّح به في تفسير القاضي والكشّاف ومجمع البيان ، فالشهود هو الحضور في البلد وكأنّ المراد مع القدرة على الصوم فهي الصحّة الّتي يفهم من إيجاب الصوم وفهم من الأولى أيضا. فلا يكون (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً) بمنزلة الاستثناء والتخصيص فإنّه خلاف الظاهر من العبارة وسوقها ، ولهذا ما ذكر فيها ، وكانّ المراد أعمّ من الحضور في بعضه أو كلّه (فَلْيَصُمْهُ) أي يجب عليكم الصيام في الّذي كنتم حاضرين وقادرين فيه على الصوم من الشهر ـ فنصب ضمير (فَلْيَصُمْهُ) وإن كان الظاهر على أنّه مفعول به ، إلّا أنّه في الحقيقة على الظرفيّة وحذف الخافض وأوصل الفعل ـ وذلك لأنّ الله تعالى يريد ويحبّ لكم أمرا هيّنا غير شاقّ وصلب وحرج وضيق في جميع أموركم ، ولا يريد ضدّ ذلك ، بل يريد عدمه ، فإنّ إرادة الشيء مستلزم لعدم إرادة ضدّه بل ادّعي العينيّة وأكّده مع ذلك بقوله (وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) المنفيّ بالأوّل فيفهم منه كمال المبالغة لإرادة اليسر وعدم العسر.
فأشار مرّة إلى عدم مرغوبيّة صوم المسافر لتقييد وجوبه بالحضر ، ثمّ التصريح بصوم عوضه بعد زواله ، ثمّ ببيان العلّة له مع نفي ضدّها اللّازم لإرادة اليسر ، ثمّ التصريح بعدم إرادة العسر ، ثمّ بالعلل الأخر مثل التكبير والشكر على تشريع اليسر دون العسر كما هو المنقول عن الأمم السابقة ، فيحتمل أن يكون قوله (وَلِتُكْمِلُوا) علّة الأمر بمراعاة العدّة أي إنّما أمرتكم بقضاء الشهر لتكملوا عدّته (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ) علّة لتعليم كيفيّة القضاء للمسافر بعد السّفر وللمريض بعد المرض (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) علّة اليسر وإسقاط الصوم ففيها لفّ ونشر ، ويحتمل أن يكون كلّ واحد علّة لكلّ واحد ، بل الظاهر أنّ (لِتُكْمِلُوا) علّة القضاء ، ولتكبّروا