التضحية الحقيقيّة والألم الحقيقي لم يتحمّله غيره ولم يشعر به غيره ، فما تفسير كلامها (سلام الله عليها)؟
جوابُ ذلك : إنّ التضحية العظيمة من هذا القبيل ، أو أيّة تضحية أخرى مهمّة ، لا تكون ذات مستوى واحد ، بل على مستويات متعدّدة ؛ لأنّ انطباعها في نفس صاحبها وفي نفوس الآخرين يكون متعدّداً لا محالة ، وفي حدود ما نستطيع أن نستفيد منه هنا من المستويات نذكر ثلاثة منها :
المستوى الأوّل : التضحية بمعنى تحمّل الألم والجروح والقتل والصبر عليه طواعية ، وهذا المستوى خاصّ بصاحب التضحية ، ولا يمكن أن يكون شاملاً لغيره كما قال السائل.
المستوى الثاني : التضحية بمعنى الإعانة لصاحب التضحية بكلّ ما يمكن من جهدٍ وجهاد ، وتحمّل كلّ بلاء في سبيله ، مضافاً إلى تحمّل فراقه كشخص محبوب أُسريّاً ودينيّاً واجتماعيّاً ، وتحمّل الحرمان عن فوائده وتوجيهاته ولطفه.
وهذا المستوى خاصّ بمَن كان مع الحسين عليهالسلام ، من الركب المُعاوِن له في الحياة والموافِق له في الأهداف ، فإنّهم رجالاً ونساءً وشيباً وشُبّاناً ، أتعَبوا أنفسهم في سبيله تماماً ، وتحمّلوا شظفَ (١) العيش وبلاء الدنيا لأجل رضاه الذي يكون سبباً لرضاء الله عزّ وجل ، كما قال : «رضا الله رضانا أهل البيت» (٢) ، ومن هذه الناحية وعلى هذا المستوى كانت التضحية تشملهم ، فكأنّهم هم اللذين رفعوا الحسين عليهالسلام قرباناً لله عزّ وجل.
ولا شكّ أنّ العقيلة زينب سلام الله عليها بنت علي عليهالسلام ، من ذلك الرَكب المُضّحي في سبيل الحسين عليهالسلام ، ولعلّها أهمّ النساء
__________________
(١) شَظفَ : شظفَ الرجل شَظفاً ، كان عيشهُ ضيّقاً وشديداً ويابساً فيقال : شظفَ العيش (أقربُ الموارد : ج ١ ، ص ٥٢٩).
(٢) الخوارزمي : ج ٢ ، ص ٥ ، اللهوف : ص ٢٦ ، كشفُ الغُمّة للإربلي : ج ٢ ، ص ٢٤١.