وفي هذا السبيل ، أيضاً رويَ عن زينب العقيلة بنت عليّ أمير المؤمنين عليهالسلام ، أنّها بعد المقتل وضَعت يديها تحت الجثمان وقالت : اللهمّ تَقبّل مِنّا هذا القربان (١) ، وفي بعض الروايات : هذا القربان القليل (٢) ، يعني : القليل مهما كان شريفاً وعظيماً أمام عَظمة الله اللامتناهية وأمام استحقاقه اللامتناهي للتضحية والفداء ، يبقى قليلاً.
إذاً فالمسألةُ الأهمّ من كلّ شيء هي : أهميّة التوجّه إلى الله والتضحية في سبيله ، وتطبيق طاعته والحصول على رضوانه بكلّ صورة مهما كانت الوسائط ومهما كانت النتائج ، وهذا هدفٌ صحيح قد تحقّق فعلاً ، وقد عَرَفت الأجيال ذلك بكلّ وضوح.
وقد يخطر في البال عن قول زينب (سلام الله عليها) : اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان ، أنّ قولها (منّا) ليس بصحيح ؛ لأنّه وإن كان قرباناً عظيماً إلاّ أنّه إنّما قدّمهُ الحسين نفسه ، وليس لأحدٍ آخر أن يُقدّمه ، بل لا معنى لذلك ؛ لأنّ
__________________
وقد راجعتُ سماحة المؤلِّف في هذه الأبيات فقال لي : إنّه قد سَمعها شخصيّاً من أحد الخطباء الكبار ولم يقرأها في كتاب ، ولذلك لم يَسندها وإنّما عبّر عنها بـ (قيل) ، ولمَن أراد التوسّع في رابعة فليراجع : كتاب شهيدة العشق الإلهي لعبد الرحمان بدوي ، وكتاب رابعة العدويّة لطه عبد الباقي سرور ، فإنّهما قد ذَكرا جميع المصادر التي ذَكرت رابعة ، والتي لا مجال لذكرها هنا.
* وهي رابعة بنت إسماعيل الشاميّة ، توفيت سنة ٢٣٥ هـ ودُفنت برأس زينا ببيت المقدس ، وزوجها أحمد بن أبي الحواري ، وأبوهُ أبو الحواري ميمون من أهل دمشق ، وقد كان من العارفين الورعين وقد كان أحمد له نصيب منه ، توفي سنة ٢٣٠ هـ ، وكان قد تزوّج ثلاث غيرها.
وهذه رابعة كانت أيضاً من العابدات الورعات ، فيُنقل عن زوجها عندما سُئل عنها؟ قال : إذا أتيتها في النهار قالت : بالله عليك ، لا تُفسد عليّ صومي ، وإذا أتيتُها في الليل قالت : لا تُفسد عليّ عبادتي (كتاب سَيرُ السالكات المؤمنات الخيّرات لأبي بكر الحصني) ، وكثيرٌ ما كان يشتبه المؤرِّخون بينها وبين رابعة العدويّة التي كانت أسبق زماناً منها.
(١) الكبريت الأحمر : ج ٣ ، ص ١٣ عن الطراز المذهّب.
(٢) نفس المصدر.