__________________
العيال؟فإن قيل : إنّه لربّما أُريدَ بالعيال المعنى الآخر ، وهو الإعالة أي : كلّ ما تعيلهُ رابعة وتُنفق عليه؟قلنا : إنّ رابعة لم تكن ميسورة الحال أو غنيّة لكي تُعيل غيرها ، بل بالعكس فإنّ المؤرِّخين يذكرون أنّها كانت فقيرة ، وكان الذين يعرفونها هم الذين يُعيلونها ويساعدونها على المعيشة ، وبهذا يُنفى هذا المعنى أيضاً عن رابعة العدويّة. فإن قيل : إنّ هذه الأبيات يمكن أن تكون لرابعة الشاميّة * ، وقد توهِّم أنّها لرابعة العدويّة ، والأُولى كانت متزوّجة وميسورة الحال ، فيمكن أن ينطبق معنى البيت الشِعري عليها. قلنا : إنّ هذا لا يتمّ ؛ لأنّ البيت الذي يقول :
تركتُ الخلقَ طُراً في هواكا |
|
وأيتمتُ العيال لكي أراكا |
يوحي لمعنيين : الأوّل : هو تركُ الدنيا والخَلق عن طريق الموت ، فهي ذاهبة إلى جوار الله في العالَم الأُخروي ، والموت بصورة شرعيّة أكيداً كالجهاد في سبيل الله ، ولم يُنقل ذلك عن رابعة الشاميّة ، ولا حتّى عن رابعة العدويّة.
والثاني : تركُ الخَلق عن طريق الغيبة عنهم والانعزال لمناجاة الله وعبادته بدون أن ترى أحداً أو أنّ أحداً يراها ، وهذا أيضاً لم يُنقل عن رابعة الشاميّة ، بل بالعكس فلقد عاشت حياتها مع زوجها مطيعة لهُ حريصة على خدمته ، حتّى أنّها زوّجتهُ ثلاث نساء غيرها ، خوفاً أن تكون قد ألهَتها العبادة عن بعض واجبات زوجها فيجد ذلك عند الباقيات.
ويمكن أن يسأل أحدهم : إذا كان كذلك فمن أين شاعَ إسناد هذه الأبيات لرابعة؟ قلتُ : إنّ أغلب الظنّ أنّ الذين ذكروا هذه الأبيات ـ من خطباء وغيرهم ـ لم يركِّزوا على ذِكر الناظم لها ، فعندَ التناقل جُهلَ اسمهُ وخصوصاً مع قلّة المصادر (والتي تكاد أن تكون نادرة) ، والتي تَنسب هذه الأبيات لناظمها. وقد نُسبت عُرفاً لرابعة ؛ لوجود أبيات شعريّة شبيهة بالأبيات المذكورة معناً ووزناً وقافيةً ، قد قالتها رابعة العدويّة وقد نَقَلتها أغلب المصادر التي ذَكرت رابعة وهو قولها :
أحُبّك حُبّين حُبّ الهوى |
|
وحُبّ لأنّك أهلٌ لِذاكا |
فأمّا الذي هو حُبّ الهوى |
|
فانشغالي بكَ عمّن سِواكا |
وأمّا الذي أنتَ أهلٌ له |
|
فكشفكَ لي الحُجبَ لكي أراكا |
فلا الحمد في ذي وذاك لي |
|
وإنّما لك الحمد في ذي وذاكا |
ويمكن أن نقول أيضاً : إنّها قيلت على لسان الحسين عليهالسلام كلسان حالٍ لا أكثر ، كما هو المشهور في كثيرٍ من الأبيات كقولهم :
إن كان دينُ محمّد لم يستقم |
|
إلاّ بقتلي فيا سيوف خُذيني |
وكقولهم :
شيعتي ما إن شَربتم |
|
عذبّ ماء فاذكروني |
وغيرها كثير.