وطاعته. وهو نفس الطريق الذي ضحّى من أجله إسماعيل عليهالسلام ، وبُعث فيه الأنبياء وأُرسلت الكتب السماويّة وحَصَل ما حصل.
وفي هذا السبيل ، قال الحسين عليهالسلام : «هوّنَ ما نزلَ بي أنّه بعين الله» (١). كما قيل إنّه حين سقط جريحاً لا يستطيع أن يواصل القتال ، كان يُردِّد قول رابعة العدويّة :
تركتُ الخلقَ طُرّاً في هواكا |
|
وأيتمتُ العيال لكي أراكا |
ولو قطّعتَني في الحُبّ إرباً |
|
لمَا مَالَ الفؤاد إلى سواكا (٢) |
__________________
(١) اللهوف لابن طاووس : ص ٤٩ ، البحار للمجلسي : ج ٤٥ ، ص ٤٦.
(٢) شاعَ على لسان الخطباء الحسينيّين هذه الأبيات ، وأنّها لرابعة العدويّة وقد قالها الحسين عليهالسلام عند مصرعه ، ولا أعلمُ على أيّ مصدرٍ قد اعتمدَ هؤلاء الخُطباء ، أو من أين أتى هذا الشياع؟ فقد تتبّعتُ أغلب المصادر المُعتَمدة التي تَذكر مقتل الحسين عليهالسلام ، فلم أجد أحداً يَذكر أنّ الحسين عليهالسلام قال هذه الأبيات ، أو حتّى أنّها نُسبت إليه ، ونفس الشيء بالنسبة إلى رابعة العدويّة ، فأغلب المصادر التاريخيّة التي ذَكرَتها لم تَذكر أو تَنسبها لها.
ولقد ذَكرَ الأبيات : أبي فرج عبد الرحمان بن رجب الحَنبلي في كتابه (كشفُ الكُربة في وصف حال أهل الغربة ، ص ٢٧) إلاّ أنّه نَسبها إلى إبراهيم بن أدهم ، وهو أحد الزُهّاد المشهورين.
وأغلبُ الظنّ أنّ الخُطباء استعملوها مجازاً كلسانِ حالٍ عن الحسين عليهالسلام ، وإلاّ بحسب القول الأوّل يَبعد أن تكون للإمام الحسين عليهالسلام وذلك لسببين :
الأوّل : إنّ الحسين عليهالسلام أسبق زمناً من رابعة ، فواقعة الطف حَدَثت في ٦١ هـ ، ورابعة العدويّة وِلدَت في القرن الثاني الهجري ، حيث ذَكرَ المؤرِّخون أنّ وفاتها كانت في سنة ١٨٠ هـ ، وبهذا لا يمكن أن يكون الحُسين رآها أو سمعها فضلاً عن أن يتمثّل بأبياتها ، وكذا هو الحال بالنسبة إلى إبراهيم بن أدهم الذي هو متأخِّر زمناً قد يصل لعدّة قرون عن الحسين عليهالسلام.
الثاني : عدمُ وجود مصدر مُعتَمد يَذكر أنّ الحسين عليهالسلام قال هذه الأبيات.
وفي نفس الوقت نستبعد أن تكون هذه الأبيات لرابعة العدويّة ؛ وذلك لوجهين :
الأوّل : عدمُ وجود مصدر يَنسب هذه الأبيات لرابعة ، بل إنّ بعض المصادر نَسَبتها إلى غيرها ، كإبراهيم بن أدهم كما في (كشف الكُربة).
الثاني : مضمونُ هذه الأبيات يجعلنا نستبعد أن تكون لرابعة ، فالبيتُ يقول : (وأيتمتُ العيال لكي أراكا) بينما يَذكر لنا التاريخ أنّ رابعة لم تتزوّج قط ، وأنّها تُوفيت بدون زوج ولا أطفال ، فكيف أيتَمَت