المُستشكِل أنْ يقول ـ.
الوجه الثاني : إنَّه بعد أنْ ثبت أنَّ المعصومين عليهمالسلام مُسدَّدون بالإلهام مِن قبل الله سبحانه ؛ إذ يكون عندهم نوعاً مِن التكاليف : ظاهريَّة وباطنيَّة. أمَّا الظاهرية ، فهي الموافقة لظاهر الشريعة والمُعلَنة بين الناس. وأمَّا الباطنيَّة ، فهي التعاليم التي يعرفونها بالإلهام ، فإذا تعارض الأمران : الظاهري والباطني ، كان الباطني أهمَّ كما هو أخصُّ أيضاً ؛ فيتقيَّد إطلاق الآية الكريمة ـ لو تمَّ ـ بغير هذا المورد. فلا يكون هذا المورد على المعصوم حراماً ، بلْ يكون واجباً بمُقتضى الإلهام الإلهي الثابت لديه. فيتقدَّم نحوه بخطوات ثابتة مُمْتثلاً أمر الله سبحانه ، وراجياً ثوابه الجزيل ببذل النفس في هذا السبيل. وهذا الأمر لا يختلف فيه الإمام الحسين عليهالسلام عن غيره مِن المعصومين عليهمالسلام.
الوجه الثالث : إنَّه مِن المُمكن أنْ لا يُراد مِن (التهلُكة) المنهيِّ عنها في الآية الكريمة ... التهلُكة الدنيويَّة ، بمعنى تحمُّل الموت أو المصاعب العظيمة ، كما يُريد الناس أنْ يفهموا منها. بلْ يُراد منها الهلاك المعنوي ، وهو الكفر وإلقاء النفس في الباطل والعصيان والانحراف ، وهو أمر منهيٌّ عنه بضرورة الدين.
وبتعبير آخر : إنَّ المُراد مِن التهلُكة ليس هو التهلُكة الدنيويَّة ، بلْ التهلُكة الأُخرويَّة ، وهو التسبيب إلى الوقوع في جهنَّم بالذنوب والباطل ، ولا أقلَّ مِن احتمال ذلك ، بلْ مِن الواضح أنَّ التعاليم الأُخرى الموجودة في سياقها ـ كما سمعنا فيما سبق ـ هي مِن الطاعات ، إذاً ؛ فتكون قرينة مُحتملة ، على أنَّ المُراد مِن هذا النهي : التحذير عن ترك الطاعات والوقوع في المعاصي (١).
__________________
(١) وهنا يشيرُ سماحة المؤلِّف إلى أنَّ الآية الكريمة تُعطي أوامر في سياق قرآني واحد وهو : (أنفقوا ـ ولا تُلقوا ـ أحسنوا) ، فإذا لاحظنا أنَّ الأمر الأوَّل والأخير (الإنفاق والإحسان) أنَّهما مِن الأُمور التي يُرجى عند العمل بها الحصول على الجزاء والثواب مِن الله عزَّ وجلَّ أُخرويَّاً ، أيْ : أنَّ العبد عندما يُنفق أو يُحسن لوجه الله إنَّما يأمل أنْ يرى أثر عمله أو طاعته أُخرويَّاً وهو رضى الله سبحانه =