المستوى الخامس : إنّه قد يقع السؤال عن إمكانه النجاة بالمعجزة ، أو طيّ الأرض ونحو ذلك ، وقد ناقشنا ذلك فيما سبق ، والتفتنا إلى أنّه لم يكن في الحكمة الإلهيّة حصول المعجزات لنصرة أهل الحق ، بل يبقى الأمر مطابقاً للقانون الطبيعي باستمرار ، وإلاّ لم تكن أيّة حاجة إلى أيّ حربٍ خاضها رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أو أمير المؤمنين ، أو الحسين عليهمالسلام ، أو أيّ شخصٍ آخر.
وكما نفينا فيما سبق إمكان المبالغة في تألّب الناس ضدّ الحسين عليهالسلام ، كذلك ننفي هنا المبالغة في تألّب الناس ضدّ مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) ؛ وذلك أنّ مقتضى كلام الخطباء الحسينيين عنه : أنّه عليهالسلام جَمع الناس في أحد الأيّام كجيش محارِب وزوّدهم بالأسلحة ، وأمّر عليهم الأمراء والقوّاد ، ونادى بشعار المسلمين يوم بدر : يا منصور ، أمِت أمت (١).
واجتمعت إليه الكوفة برمّتها ، حتّى إذا كان المساء نفسه تفرّقوا عنه ، حتّى بقيَ وحده يتلدّد في أزقّة الكوفة ، فلمّا كان الصباح نفسه تألّبوا جميعاً ضدّه وقاتلوه ، حتّى النساء والأطفال كانوا يرمونه من السطوح بالحجارة ، ويشعلون النار في أطناب القصب ويرمونها عليه.
وهذه (خريطة) ذهنية غير معقولة ، ولئن كان يمكن حصولها في مدّة طويلة ، فلا يمكن حصولها في مدّة قصيرة في عشيّة واحدة ، فلئن كان يمكن تفرّق الناس عنه لمدى الضغط والمكر الذي مارسه ابن زياد وأصحابه ، غير أنّه لا يمكن تألّبهم ضدّه إلى هذه الدرجة ، فإذا عَلمنا أنّه كان يحارب وحده حين هجموا عليه في الدار ، بقصد إلقاء القبض عليه ، إذاً لم يكن الحاكم في حاجة إلى جيش عَرمرم ضدّه مهما كان شجاعاً ومقاتلاً بارعاً.
__________________
(١) تاريخ الطبري : ج ٦ ، ص ٢٠٧ ، الكامل لابن الأثير : ج ٣ ، ص ٢٧١ ، ط مصر.