الكوفة متيّسراً لهُ المشي في الطُرقات والتعرّف على البيوت ؛ لأنّه كان بمنزلة القائد ، فلابدّ لهُ من البقاء في مركزه ، وإنّما يشتغل له الأتباع فقط.
المستوى الثاني : إنّ مسلم بن عقيل (سلام الله عليه) أدركَ لا محالة ما التفتنا إليه قبل قليل ، من تفرّق خاصّته عنه ، وأدركَ سبب ذلك ، وهذا السبب ممّا ينبغي أن يحترمه تجاههم ، مضافاً إلى إدراكه كراهتهم البقاء معه في ذلك الحين ، وكان إذا أراد متابعتهم فسوف يعمل ما يكرهونه ويدخل بيوتهم عنوة عنهم ، ويبقى فيها فيكون حراماً عليه.
المستوى الثالث : إنّه لا يوجد في ذلك الحين من أصحابه مَن يستطيع حمايته على الإطلاق ؛ لأنّ بعضهم كان قد سُجن : كهاني بن عروة ، والمختار بن عبيدة الثقفي ، وآخرون ، إذاً فدُورُهم مُغلقة في وجهه ، وهم منكوبون قبل نكبته ، وبعضهم مراقَب ومطارَد ، وليس أسهل على الحكّام من أن يجدوا مسلماً في بيت أحد أصحابه ، فإنّها أرجح الاحتمالات لوجوده ، بخلاف ما إذا تخفّى في محلّ غير مُلفت للنظر كما فعل.
المستوى الرابع : إنّ خروجه بالبرّ لم يكن مُنجياً له ؛ لأنّه لم يكن يملك فرساً ، أو أيّة دابة في ذلك الحين ، وإنّما كان يمشي راجلاً في الطُرقات ومتعباً بعد يومٍ حافل بالنشاط والحركة.
إذاً ، فحتّى لو خرجَ إلى البرّ فسوف لن يستطيع أن يبتعد كثيراً ، حتّى يطلع الصبح وسوف يَدركه أعداؤه لا محالة ، بل سوف يُقبض عليه عاجلاً ؛ لأنّ ابن زياد جَعلَ في المدينة وأطرافها عيوناً ساهرة تراقب الحال باستمرار ، فما أسهل ما يقع مسلم بن عقيل بيد أحد هؤلاء أو جماعة منهم ، إذاً فما فعلهُ (سلام الله عليه) كان أفضل الاحتمالات وهو : الالتجاء إلى محلّ غير مُلفت للنظر على الإطلاق ، عسى الله أن يكتب لهُ فيه الخير.