وأمّا إذا كانت منافية له ، لم تكن حجّة كقوله تعالى : (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (١) ، أو قوله تعالى : (عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (٢) ، بعد قيام الدليل العقلي القطعي على استحالة ثبوت مثل هذه الأمور للذات الإلهيّة المقدّسة.
الوجهُ الثالث : أنّ النساء كنّ مدهوشات وحائرات الفكر وغير شاعرات بواقعهنّ ، لمَدى الحُزن والأسى الذي تَملَكهنّ وسيطر عليهنّ لمقتل الحسين عليهالسلام وأصحابه ، فإذا كُنّ قد خرجنَ أمام الرجال الأجانب ، فهنّ غير ملتفتات إلى واقعهنّ وغافلات عن الحكم الشرعي أو قل : ناسيات له ، فلا يكون الحكم فعليّاً أو مُنجّزاً في حقّهنّ أو قل : إنّهن معذورات بالنسبة إليه ، وهذا الوجه له درجة من الوجاهة ، بعد التنزّل عن الوجهين السابقين ، وهو المشهور بين الناس ، ولعلّه هو المقصود في الزيارة لو كانت معتبرة سنداً ، إلاّ أنّه مع ذلك لا يخلو من استبعادٍ لأمرين نذكرهما مع إحالة القناعة بهما إلى وجدان القارئ اللبيب :
الأمرُ الأوّل : إنّ النساء كنّ كثيرات كعشرة أو أكثر ، ولم تكن واحدة أو اثنتين مثلاً ، فإذا أمكنَ سيطرة الحزن بشدّة على واحدة أو اثنتين ونحو ذلك ، لم يكن ذلك في الجميع باستمرار أو قل طيلة الوقت ، فلا أقلّ من أنّ واحدة أو أكثر تلتفت لحالهنّ فيجب عليها تنبيههنّ على ذلك ويتمّ الأمر.
الأمر الثاني : إنّه يُستبعد جدّاً أن يكون مقتضى الحكمة الإلهيّة ذلك ؛ لأنّ الحسين عليهالسلام وأصحابه قُتلوا في سبيل الله والدين ، فمن الصعب أو من السخف أن نتصوّر أنّ في التقدير الإلهي أن يصدر العصيان الصريح ، والمنظر القبيح من نسائه الأشدّ ارتباطاً به من بعد مقتله مباشرة.
__________________
(١) سورة الفتح : آية ١٠.
(٢) سورة طه : آية ٥.