بقي هنا شيء ينبغي التنبّه له ، وهو : أنّ المصنّف عطف بعد «سواء» بـ «أو» في قوله : «سواء تغيّر بالنجاسة أو لا» وقد أكثر من استعمال ذلك في كتبه كغيره من الفقهاء ، وقد منع منه جماعة من محقّقي العربيّة من المتقدّمين والمتأخّرين.
وحجّتهم في ذلك أنّ «أو» تقتضي أحد الشيئين أو الأشياء ، والتسوية تقتضي نفس الشيئين أو الأشياء ، والأجود العطف بـ «أم» المتّصلة التي ما قبلها ومابعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر.
قال تعالى (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) (١) (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا) (٢) (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ) (٣) (سَواءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ) (٤).
وقال أبو علي الفارسي : لا يجوز «أو» بعد «سواء» فلا يقال : سواء عليَ قمت أو قعدت ؛ لأنّه يكون المعنى : سواء عليّ أحدهما ، وذا لا يجوز ؛ لأنّ التسوية تقتضي شيئين فصاعداً (٥).
وقال ابن هشام في المغني : قد أُولع الفقهاء وغيرهم بأن يقولوا : سواء كان كذا أو كذا ، وهو نظير قولهم : يجب أقلّ الأمرين من كذا أو كذا. والصواب العطف في الأوّل بـ «أم» وفي الثاني بالواو. ثمّ نقل عن الصحاح : سواء عليّ قمت أو قعدت (٦). قال : وهو سهو.
ونقل عن الهذلي أنّ ابن محيصن قرأ من طريق الزعفراني «أو لم تنذرهم» وحَكَم عليه بأنّه من الشذوذ بمكان (٧).
والظاهر من المصنّف أنّه يختار ما نقله صاحب الصحاح من جواز ذلك ، وقد وافقه عليه بعض أهل العربيّة.
وظاهر الشيخ الرضي رحمهالله اختيار ذلك حيث قال بعد نقل كلام الفارسي وحجّته بانّ «أو» تقتضي أحد الشيئين : ويرد عليه : أنّ معنى «أم» أيضاً أحد الشيئين أو
__________________
(١) المنافقون (٦٣) : ٦.
(٢) إبراهيم (١٤) : ٢١.
(٣) البقرة (٢) : ٦.
(٤) الأعراف (٧) : ١٩٣.
(٥) حكاه عنه الرضي في شرح الكافية ٢ : ٣٧٦.
(٦) الصحاح ٦ : ٢٣٨٦ ، «س وأ».
(٧) مغني اللبيب ١ : ٦٣ ـ ٦٤.