عنها ومفارقته لها بطريق أولى ؛ لأنّ المقتضي للتنجيس هو الملاقاة لها لا مفارقتها ، فكيف يرتكب فكّ المعلول عن علّته التامّة ثمّ وجوده بدونها!؟
إن قيل : الدليل لمّا دلّ على نجاسته بعد الاتّصال والانفصال وتوقّف طهارة المحلّ على عدم نجاسة الماء اقتصر فيه على محلّ الضرورة ، وهو ما قبل الانفصال لا ما بعده.
قلنا : الانفصال لا يصلح سبباً للنجاسة ولا جزءاً للسبب ؛ لعدم صلاحيته لذلك ، فإنّه مقتضٍ لبُعد الماء عن النجاسة ، وذلك ينافي قبوله أثرها ، ولِمَ لا يرتكب طهارته مطلقاً كما في ماء الاستنجاء ، فإنّ وجود النظير يمنع (١) الاستبعاد أو يحكم بنجاسته مطلقاً للدليل؟
والحكم بطهر المحلّ خرج بحكم الشارع ، وبالإجماع ، وبأنّه لولاه لما أمكن التطهير بالقليل.
وهنا قول خامس حكاه الشهيد رحمهالله في حاشية الألفيّة (٢) عن بعض الأصحاب ولم يسمّه وهو : أنّ ماء كلّ غسلة كمغسولها قبل الغسل وإن حكم بطهارة المحلّ بل وإن ترامت لا إلى نهاية ؛ محتجّاً بأنّه ماء قليل لاقى نجاسة.
وبيانه أنّ طهارة المحلّ بالقليل على خلاف الأصل المقرّر من نجاسة القليل بالملاقاة ، فيقتصر فيه على موضع الحاجة ، وهو المحلّ دون الماء.
ويدفعه : حكم الشارع بالطهارة عند تمام الغسلات ، فلا اعتبار بما حصل بعد ذلك ، وللزوم الحرج المنفيّ.
وربما نسب هذا القول إلى المصنّف (٣). وكلامه بالقول الأوّل أليق ، وتحقيقه به أنسب ، ووجه مناسبة عباراته له أنّه يسوقها في الماء المستعمل في إزالة النجاسة ، وبعد الحكم بالطهارة شرعاً لا تصدق النجاسة.
وما نبّهنا عليه من الأقوال وحرّرناه لا يكاد يوجد مجموع الأطراف فيما علمناه وإن كان بعض (٤) الفضلاء قد نفى ما زاد على ثلاثة أقوال.
__________________
(١) في «ق ، م» : «يدفع».
(٢) راجع رسائل المحقّق الكركي ٣ : ٢٣١ و ٢٣٢.
(٣) كما في رسائل المحقّق الكركي ٣ : ٢٣١.
(٤) لم نتحقّقه.