هم أن يحمد منّي ما يجده في مطاويه ، ويشكر سعيي عند وقوفه على دقائق مودعة فيه لا يجدها إذا أرادها في كتاب ، ولا يبتهج بها إلا المتّقون من اولي الألباب ، والله يحقّ الحقّ بكلماته ويُبطل الباطل ولو كره المبطلون.
هذا ، مع تقسّم البال وتقلقل الحال من تراكم أمواج فتن وأهوال ، وعلى الله قصد السبيل وإرشاد الدليل ، وهو حسبي ونعم الوكيل.
اعلم أنّ العلماء رضوان الله عليهم قد استقرّ أمرهم على أن يبتدئوا في مصنّفاتهم بتسمية الله تعالى وتحميده ؛ اقتداءً بخير الكلام ، كلام الملك العلام ، واستدلالاً بأحاديث وردت عن رسوله وآله «، فسلك المصنّف رحمهالله هذا النهج القويم ، وقال : (بسم الله الرحمن الرحيم).
وتوهّم التنافي بين مشهوري خبري «البَسْمَلة» و «الحَمْدَ له» اللّذين أحدهما : قوله عليهالسلام : «كلّ أمرٍ ذي بال لم يُبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر (١)» والثاني : قوله عليهالسلام : «كلّ أمرٍ ذي بال لم يُبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم» (٢)» ـ باعتبار أنّ الابتداء بمدلول أحدهما يوجب تأخير الآخر يندفع : بأنّ الابتداء هو التقديم على المقصود الذاتي ، وهو مسائل الفنّ ، والخطبة بأجمعها مقصودة بالعرض ، والمحلّ متّسع ، أو بأنّ الابتداء حقيقيّ وإضافيّ ، فالحقيقيّ حصل بالبَسْمَلَة ، والإضافيّ بالحَمْد لَه ، فهو مبتدأ به بالإضافة إلى ما بعده ، أو بأنّ الحمد هو الثناء بنعوت الكمال ، واسم الله المتعال منبئ عن صفات الإكرام ونعوت الجلال ، فالابتداء بالتسمية يستلزم العمل بالخبرين جميعاً.
والمراد بالأمر ذي البال ما يخطر بالقلب من الأعمال ، جليلةً كانت أم حقيرة ، فإنّ أفعال العقلاء تابعة (٣) لقصودهم ودواعيهم المتوقّفة على الخطور بالقلب.
والأبتر يطلق على المقطوع مطلقاً ، وعلى مقطوع الذنب ، وعلى ما لا عقب ولا نتيجة له ، وعلى ما انقطع من الخير أثره.
والمعنى على الأوّل والأخير أنّ ما لا يبتدأ فيه من الأُمور بالتسمية مقطوع الخير والبركة ، وعلى الثاني يراد به الغاية الحاصلة من البتر ، وهي النقص وتشويه الخلقة ونقص القدر.
__________________
(١) الكشّاف ١ : ٣ ـ ٤ ؛ التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٥ ، ذيل الحديث ٧.
(٢) المعجم الكبير ـ للطبراني ـ ١٩ : ٧٢ / ١٤١ ؛ سنن أبي داود ٤ : ٢٦١ / ٤٨٤٠ بتفاوت يسير.
(٣) في «م» : تقع تابعة».